محمد المنيف
التقيت بأحد كبار السن في قريته وأخذني في مشوار على الأقدام ليريني أطلال منازل القرية القديمة وعراجين نخيلها الخاوية، معلقا هكذا أصبحت شاهدا على الماضي دون عناية كونه الوحيد الذي بقي ممن بنى تلك البيوت وزرع والنخيل.
موقف جعلني أشبهه بساحتنا التشكيلية التي ابتعد عنها الرواد والمؤسسون لبدايتها وبما كانت عليه من اخضرار وإثمار وأصالة، فأصبحت كالهشيم الذي تذروه الرياح بين مدع ومتسلق وأعمال رديئة وتقليد أعمى ذهب بالأصالة والقيم الفنية إلى عالم لا يبقي ولا يذر ولا يحمل هوية أو انتماء.
هذه حال الدنيا إلا أن العتب كبير على مبدعين أجزم أنهم يشاهدون الحال ويتألمون، هم رواد الفن التشكيلي السعودي، زرعوا وتعبوا وأسسوا ثم ابتعدوا كسبا للراحة، إلا أن الابتعاد كان وما زال يمتد ويطول دون تدخل أو إبداء رأي المسؤول إلا ما قل منهم، للحفاظ على ما زرعوا وبنوا، تركوه للريح ولمن لا يعلم لما أسس له هذا الفن، بأنه جزء من ثقافة وطن، والكل يعلم أن لا جيل جديدا دون مزج بخبرات السابقين، ولا نجاح دون وعي بالأهداف، فالعمل الفني التشكيلي ليس ترفيها أو تسلية بل شاهد على تاريخ، ومشارك في حضارة وموثق لها، يجد الرعاية على أعلى مستوى من اهتمامات الدول، ولهذا حق للمنتسبين إليه والمؤسسين له في وطننا الغالي ألا يرضيهم ما آلت إليه أحواله.
تقاذفته الأيدي، يستغل بلا رقيب، ويخرج عن مساره دون قيادة أو إدارة تحميه، تسلمه من لا يعي أهميته ولا مكانته، خالفوا ما نشأ عليه من انتماء والتزام بالقيم الأدبية والمقومات الفنية، ذاب في فوضى التواصل الاجتماعي بحثا عن المصالح ورغبة في الشهرة، فأصبح ممقوتا عند أصحاب الانتقاء والعارفين بالعمل الجيد من الرديء، حينما يرون من لا يستحق يوضع في مكانة المستحق.
رسالتنا للرواد أن يعودوا من خلال محاضرات وندوات ومعارض ولو بما بقي من أعمالهم السابقة ففيها الأصالة والقيم والمقومات.