اسمع وقع خطواته التسع والثلاثين، مثل خطوات نمل حظي بغنيمة ضخمة في سلة النزهات.
لا أدري من فينا يفتح النافذة للآخر؟
أنا؛ حين أخرج ابتسامات العام الماضي المكدّسة في الرف الأعلى من الخزانة، وأجربها واحدة بعد أخرى، أتحسّس نعومتها المفاجئة مثل جوارب جودي أبوت الحريرية.
أم هو؛ الذي يفتتح آذار بالمطر ويعلنه شهرًا أخضر، كما في كل عام، كأنه مدير المدرسة الذي يخرج الكلمة نفسها من الجيب الداخلي لمعطفه، متعرّقة ومهترئة، لأنه يكرر قراءتها في المهرجان الخطابي نفسه من كل عام، ومع ذلك لا تنخفض حرارة التصفيق!
39؟ كانت أمي لتقول: العقبى للعام المئة والعشرين، فأتخيل نفسي ديناصورًا ما زال يضع أصبعه في فمه كلما حيره سؤال، أو فاجأه إطراء يأتي من عتمة الغابات، أو قدمت له قطعة حلوى من سلة النزهات نفسها التي ينازعه عليها النمل الشرير بأقدامه الكثيرة!
على مشارف الأربعين، وصلت إلا عامًا، أحد عشر شهرًا بالضبط، وما زلت كما كنت في الصف الثالث الابتدائي، تغريني أقلام التلوين ودمى الفتيات، أو كما كنت في الصف الثالث الثانوي، تشغلني الكتب والكلمات التي تلعب معي الآن لعبة «الغمّيضة»!
39، ولا أعرف معنى واحدًا لأن أكبر! أحاول فك معضلة الوقت الذي يمشي، يجري، يقفز، ويمارس كل أنواع الرياضة معي، فأعجز عن اللحاق به وأستسلم! تقول صديقتي إنني أبدو كما كنت أبدو حين كان عمري سنتين -ولست أدري إن كانت تقصد مدحي أو غير ذلك- ولكن الفاصل بين هذين الرقمين رقم آخر كبير، سبع وثلاثون سنة، سبع وثلاثون «بثين»، ولا أعرف بعد من هي أنا الحقيقية!
يأتي آذار، شهر الأعياد، فأقرر الاحتفاء بنفسي لواحد وثلاثين يومًا، لن أكون فيه سندريلا ولا بيضاء الثلج طبعًا، لن أكون فيه شهرزاد أو ليلى، سأحاول أن أكون قط الشيشاير «القط المفضل لدي – يليه توم وجارفيلد- من كل قطط العالم»، على الأقل سأتمتع ببعض الحكمة لتحديد الطريق الذي عليّ أن أسلكه!
لا أذكر مرة أني غضبت من آذار، أظنه دومًا شهر الأخبار السارة حتى إن لم أتلقَ واحدًا! يكفي أن يكون هو، يكفيني أنه يصالحني كل عام حين يعود، يحمل قلمًا كبيرًا يصحح به الأخطاء التي وقعت في غيابه، قلمًا أخضر مثل وزير يوقع على قرار طال انتظاره عامًا فحسب!
40-1= أنا
- بثينة الإبراهيم