خُطبة الروح لخطبة الروح:
إلى روحه التي التفت على ساق روحها وخافت إن كان المساق لغيره ولات راق!
إلى (الطير) الذي لم تتهيأ له وحُشر فيها على قدر!
إلى الطير الذي ارتاب منها وهي مثله حَمام الحرم!
إلى الطير الذي انتفض بزمزم حرفها وطفق يخصف عليها من ورق رقيم ليشتم بقاياها على وجل!
إلى الطير الذي فجّرها ينبوعًا ولم يترك بحرها رهوًا!
وبعد:
يا أيها المدثر بالقلق أفق واتل عليها سورة الفلق.. تكادر وحيها إليك وقامت قيامة روحها!
ليس أسوأ من أن يُذبح شعورك مصلوبًا.. بعد أن عَصرتْ اللهفة خمر شغفها على شفاه روح تقسم بالله أنها كاللباس له.. وعادت منه إليه بشعور ميسون آسن بالشجن .. عادت وهي ترتل الخيبة وكأنها تريد أن تُدغم وجعها بوجعه ونسيت أنهما حروف لخريف إظهار.. وإن انقلبا عن بعضيهما فهما روح مكان روح أو حرف مكان حتف .. والمخارج المشتركة بينهما مداخل شَرَك يكبر كلما استدار الشعور إلى الأمام ولم يقف إلا على شفا جرف الاعتراف واجترار النزف.. وقد تثمر الروح أو تتعثر وهي تخرج من طُورِ الصبر لتنبت بالدهم وتغدو صبغًا للآفلين عنها والآيبين إليها!
أكان الالتقاء ابتلاء أم امتلاء .. أم حلمًا غرّه السراب فدنا.. وتبعه النجم فهوى.. ولوّح له الغريق فألقى بنفسه فداء .. ؟! ياللأرواح حين تلوّح وهي تودع وتلّح وهي تُصدع بما تشعر! ياللأرواح حين تدنو وتتبعها راجفة الاعتراف وهي ترفرف بالنزف! يا للغرف التي تنتظر عروشها غرفًا فوق غرف! ياللروح إذا ألقت ما فيها وما تخلت عن بِئْرِ روح أخرى تسكنها إلفًا وشغفا وعِشار الإياب ما عُطلت! أتكون الدهشة إشارة دهسة والطريق العابر إلى عدن غابرًا بالحنين؟! أجاجه جروح وفراته قروح وإن بغى بينهما برزخ لا يرتد إلا ببروج مشيدة بأسراب القطا عِهْنُهُ منفوش!
أكان تعرية الشعور سوأة ..أكان اللمم إثما.. لماذا إذن تأكل الطير من قلبها؟! لِمَ لا تأكل من يديها وبراجمها التي تنزف وهي تكتب إليه.. أليس الحرف حَبًّا وعصفًا وريحانًا؟! حَتَّامَ أيها الطير حُشرت أنفاسك فيها أثم من أوحى إليك بسرها: - أنها اشترتك بِنَفَسٍ ثمين ولم تكن فيك من الزاهدين ولم تغلّق أبواب فتنتها عليك تقوى وشوقًا لجنتين- وهي لم تسر حديثًا إلا لنفسها ولات صدى! وما وشت أوكار المدينة بهما.. وقميص حلمهما مزقه الخوف قبلا ودبرا .. ولا بشير لهما إلا التعب ..وأحسن وما أحسن إليهما شعورهما المنشور ..!! أتراك تسمع تأويبها ورجع أصداء رواسي شعورها؟! لم أيها الطير ربت على كتفها الذي يهزه التعب؟ أكان جذعًا شهيًا وعذقاً دانيًا لطائر ظله غائر فيها ؟حَتَّامَ تأكل من قلبها ولم يحملك وهنا على وهن بل حبًا بحب؟! أكان النبض نمارق على أرائكك لتبثها فيك وزرابييها بين يديك؟!
أتذكرها حين تسوّرت محرابك ولم تختصما إلا على: مَنْ أحبَّ مَنْ!! حكمت بالصمت ولم تعقب لها إلا همسًا لا يشعر به إلا من أنصت لبلاغة الهوى ودِهاق النَفَس على النَفَس ريّا: هي الأخرى وليس ثمّ بعدُ بعدها!
إليك كلها وإنه بسم الوهاب الودود خذها إليك بقوة! وهدهد الشوق لم يكن من الغائبين بل كان رُسل بلقيس بينكما.. والمن والسلوى ماهمى إلا إلتواء إلى السماء إذ هما دون الأرض الجرز! رباه رجَعَتْ بالبصر روحه فما وجدتْ إلا قرارًا من فرار وفرارًا من قرار وقوارير البوح سلسبيل دوح لم يسبح في فلكه إلاه! يا أناها أَبْصِر بها! كل الدروب تُعيدها إليك ولا تُعيذها منك.. دلها عليك هي الضياع فضيلة! أأنت النفث على التفث الذي غشاوته تتمزق بتلاوة الشعور وبسملة الروح لإلفها؟! أكان الحرور ردفًا للظلال أم ضد أوجه شبهه غارق بالعناق ومرسل كله ببعضه؟! أتميد الظلال متى أقلّ الساقي؟ يا للرفادة إذا دنت من قنطرة الرحيل ونأت عن الرحيل للذكرى! يا أنت هذا الأمام إمام ووحدها المأموم بك فسلم بربك عليها تسليمتين .. ولا تقم عليها تكبيراتك الأربع بسلام واحد وأنت الخلد فيها!
أأنت سراء بعد رمضاء ضراء مست نبضها؟! أم أنت من سَرتْ بين دفتيه وحين تهيأت لفلكك ومرّ بها سحاب فمك المطيب وارتماءات القلق فرّق بينكما فوجمن فوقه موجوآل اليوم لحسوم ريحه عاصف متاعه قليل ووجعه ظليل!! وماء الذاكرة صنوان وغير صنوان وآل القلب نزفًا وازّين للظاهر وهو حصيد كأن لم يغن بالأمس منك!
واحرّ قلبها هذا الطير من تهوى!! وقد ألقى البشير به على يعقوب شغفها فارتد لظى الشعور حيًا وحريقًا من رحيق ختامه بتلات مسك لا تتنافس إلا عليك!
يمام الروح تمهل أفانين إلفك تحن إلى التراب إذا افتقدتك!! رويدًا فصوت النأي بعدك نعي يشجي حنينها والحداء رجع أحشائها بأحشائك ..!
هذه الروح لك فشد الوثاق بها.. فإما شقاء وإما هناء وإما فداء وحرب الشعور لا يضع أوزاره إلا فناء وإن ضربت رقاب القلوب بالجراح وأثخنت الحناجر بالمحاجر وزاغ البصر للبصير ة وما رأى غيرى انبجاس الشعور وما كذّب صوت زلزلته!!
وإذا ماجن ليل ووريّ حلمها رماس قبره.. فاض من وجدانها أحداج طير سناؤه أقرب من وريدها حين تنزعها منك: أيُعيد الدمع ما أفل!! اتئد يا نبض.. سلاف الروح دهّاق وإن فاض قتّال! هذه اللقيا سرب سراب ظنه الريان يمًا أم نورًا تبدّى لكفيف لم ير إلا وهَمًّا ووهنًا ويؤول الشعور بعدها لفدية تخيير بين غنم وغرم!!
أيها الطير من علمك منطق الحب؟! رويدًا قبل أن تغدو خماصًا عنها ولا تعود بطانًا إليها فلا تابوت بعدك وكل من ألقى المحبة عليها ما أحبَّ!
أيها الطير.. أُشْرِبَ في قلبها ما أُشرِبَ في قلبك فأقم حيّ على الهوى! أيعودا إليهما وقد جاءا على قدر وجذوة الانتظار ترفرف صوب مواقد الغروب والإشراق والشعور حين جنّ الليل عليه غادره كوكبه؟! يا لهذه الضمائر لا تغادر أرجوحة القلق وأرجوزة النَفَس!
أيها الطير عجلت إليك لترضى ولكن:
نتعب حين يغدو النبض سفينة بسم الله مجراها والأرض يبس!!
يا طير.. يا زمزم الروح .. طفل الخليل ارتوى.. فلا تلم تضلع الأبرار بك تحت مِيزاب الهوى!
تهاني العيدي - الرياض 2017/2/10م