الحالة الطبيعية والصحية للأفكار أنها تتغير، وتتطور، وتتحول، ناهيك إذا كان صاحب هذا الفكر باحثاً جاداً عن الحقيقة، أما الحالة غير الطبيعية هي حالة الجمود، والدغومائية.
أما السؤال عن كيف تتحول وتتغير قناعات وأفكار الناس، فهناك حالتان أساسيتان وهما: إما بالتطور، أو بالصدمة.
والذي استقريته من سيرة وكتابات العودة أن التحول كان بسبب صدمة أيدلوجية، وأبستمولوجية، كانت هذه الصدمة قوية ومربكة له ولحشوده، هذه الصدمات كانت في ثلاث محطات رئيسة ومهمة.
أولى المحطات كانت في برنامج حجر الزواية الذي عرض في شهر رمضان على قناة إم بي سي من عام 2004م إلى عام 2009م، وتفلسف في العديد من القضايا الثقافية حتى إنه سمي في وقتها (المفكر سلمان العودة) وأربك الصحوة والصحويين بصحوته.
ثم المحطة الثانية كانت في كتابه (زنزانة) الذي صدر في عام 2013م، وينتقد فيه «العادة»، ويدعو فيه إلى التمرد على العادات ونبذها، ولقد اختار مفردة «العادة» لأنها تحتمل معاني كثيرة، وينجو فيها من خسارة الحشود، وإرباكهم، والخروج من تهمة التنوير.
والمحطة الثالثة المهمة والشجاعة كانت في مقاله المنشور في موقع الإسلام اليوم في عام 2016م بعنوان «الكتاب الأزرق.. حوار مع الغزالي» الذي تراجع فيه عن كتابه (حوار هادئ مع الغزالي)، هذا الكتاب الذي طبعه طلاب العودة المتحمسون للرد على انتقاد الغزالي للسلفية حتى وصف طلاب العودة هذا الكتاب أنه «طبخ الغزالي على نار هادئة»، ونشر بعض من الكتاب في صحيفة المسلمون، وتراجعه عن الكتاب هو موافقته لنقد الغزالي للسلفية، وأصبح هذا الكتاب رداً عليه وعلى الغزالي.
الصدمة الأقوى ليست في التحول والتغيير، بل بثمن الخروج من (زنزانة حشود الصحوة).
الحشود هي الزنزانة التي قيدت العودة أن يعبّر عن أفكاره بكل حرية، فتراه يرواغ بأفكاره، ويدور في الحلقة نفسها ولكن من دون عباءة الشيخ، ولقب (الواعظ، الشيخ، الداعية المعروف)، فلا يستطيع أن يتكلم عن المرأة وحقوقها مثلاً، أو عن الفن، أو عن الديمقراطية، أو عن التعددية الدينية والأيدلوجية، أو عن مفهومه للحرية، أو عن قتل المرتد، أو رجم الزاني أو الزانية المحصن، أو عن بعض القضايا الفقهية مثل اللحية أو إسبال الثوب التي أصبحت عند الصحويين قنطرة تميزك عن غيرك.
إن كان العودة يريد الخروج من هذه الزنزانة، عليه أن يدفع ثمن الحرية الباهظ، ويتكلم عن القضايا المعاصرة والمهمة بكل صراحة وجرأة، وحتى لو خسر حشوده المليونية، لكنه سيكسب عقله وحريته وكرامته، والباحث الجاد عن حريته لا تهمه الحشود وزينتها.
وإن رضي البقاء في زنزانته والحفاظ على حشوده، فليعلم أنه ليس سوى واعظ رومانسي، وأن بينه وبين التنوير بُعْد المشرقين، حتى وإن كشف عن رأسه، وخلع عباءته، وتكلم بكل رومانطيقية، ومثل في أفلام هوليودية.
- عبدالله بن إبراهيم النغيثر