د. عبدالواحد الحميد
تنشر وسائل الإعلام المختلفة بين الحين والآخر أخباراً عن قصص العضل التي ما زالت تحدث في جميع مناطق المملكة. والعضل هو منع المرأة من الزواج ممن ترضاه وتتوفر فيه الشروط الشرعية، والعاضل هو ولي أمر الفتاة الذي غالباً ما يكون الأب أو الأخ. وقد نشرت بعض المواقع مؤخراً قصة أحد الآباء الذي رفض تزويج ابنته دون أي مبرر شرعي، فقضت محكمة الأحوال الشخصية في جدة بتزويجها من الرجل الذي اختارته.
ويصعب أن نتصور، في الزمن الحاضر، أن يتحكم إنسانٌ ما بحرية إنسان آخر في ما يقرّره لنفسه من خيارات تتعلّق بأخص خصوصياته الشخصية ومن أهمها اختيار شريك الحياة. وليس المقصود، بالطبع، أن تختار الفتاة شخصاً غير مقبول وفق المعايير الشرعية أو ممن يشهد الناس بسوء سيرته، وإنما المقصود هو أن يكون أمر اختيار شريك الحياة للشخص نفسه طالما أن ذلك الشريك يتمتع بالخصال المقبولة عموماً.
والعضل لا يحدث عندنا بسبب ما يُسمى بعدم تكافؤ النسب فقط، وإنما أيضاً بسبب طمع بعض أولياء الأمور برواتب بناتهم وتأخير زواجهن لأطول فترة ممكنة، أو بسبب تحكم المزاج الشخصي لولي الأمر وكأنه هو مَنْ سوف يتزوج وليس ابنته أو أخته.
وفي السابق، كانت الفتيات يرضخن لمزاجيات وتسلط أولياء الأمور بسبب عدم معرفتهن بحقوقهن أو بسبب حرص الفتاة على تجنيب سمعة ولي الأمر أو الأسرة لِلَوك الألسن في مجتمعنا المحافظ، لكن فتيات اليوم أصبحن يعين حقوقهن ويُفَرِّقن بينما هو «عيب» حقاً وما هو تسلط اجتماعي غير مبرر. لذلك صارت الفتيات المعضولات يلجأن إلى المحاكم ويطالبن بحقوقهن، كما أن المجتمع لم يعد يقف إلى جانب ولي الأمر «دون قيد أو شرط» كما كان في السابق وبدأ يتقبل وجهة نظر الفتاة المعضولة ويتفهم موقفها عندما تلجأ إلى المحكمة.
أما التطور الأبرز، فهو تفهم المحاكم والقضاة لموقف الفتيات اللاتي يتعرضن للعضل وعدم الانحياز لموقف ولي الأمر بصرف النظر عن وجاهته. ويمكن أن تقوم المحاكم بدور توفيقي بين الطرفين، لكنها في النهاية لا بد أن تقف إلى جانب العدل وتحارب الظلم إذا لم يستجب الطرفان.
يجب أن يختفي عضل النساء، فالولاية ليست استعباد، والمرأة في مجتمعنا أصبحت تملك الوعي ولا يمكن مصادرة رأيها في أمورها الشخصية وجعلها رهينة لمزاجيات ولي الأمر حتى لو كان على خطأ.