محمد آل الشيخ
عمليًا، ومن حيث تحقيق الأهداف النهائية للمنشأة الحكومية والأهلية، لا فرق في النتيجة النهائية بين (الموظف الفاسد) و(الموظف المعقد) فكلاهما يؤثر تأثيرًا سلبيًا في ضعف المنشأة، وتخلفها عن تحقيق غاياتها المرجوة منها.
ربما أن الفرق في الأمانة، حيث إن الفاسد المرتشي لا يمكن أن يكون صاحب أمانة وضمير مهني، في حين أن الموظف المعقد قد يكون سبب تعقيده وجنوحه نحو التشدد في تطبيق الأنظمة والقوانين بحذافيرها، أنه يتحرى الدقة والشرف والنزاهة، إلا أن المعقد لا يمكن أن يكون مرنًا، يهمه أن يتحقق أكبر قدر من الأهداف النهائية للمنشأة، بقدر ما يهمه أن يطبق النظام، حتى وإن ترتب على تمسكه بتطبيق النظام حرفيًا، تدني إنجازاته على مستوى الأهداف والغايات العليا.
كما أن الإصرار على تعقيد الإجراءات، والتفكير في سد ثغرات التفاصيل الدقيقة على حساب الغايات الكبرى، تعيق المنشأة عن تحقيق أهدافها.
صحيح أن المرونة في تطبيق الأنظمة قد تكون سببًا مؤديًا للفساد، إلا أن التعقيد يكون أيضًا عقبة كأداء ضررها في النهاية لا يقل عن ضرر الفساد.
إضافة إلى أن الموظف القيادي المتميز في المنشآت الحكومية ينحصر تميزه فضلاً عن كفاءة في قدرته على المرونة وتيسير الإجراءات بحيث يهمه تطبيق روح النظام لا النظام بحرفية.
وبقدر ما يعيث الموظف الحكومي الفاسد في المنشآت ويعيقها عن تنفيذ مهامها التي وضعت من أجلها، بعدالة ونزاهة، فإن الموظف المعقد، المتعسف في تطبيق الأنظمة، أو ذلك الرعديد الذي يُؤثر السلامة بالتشبث بتطبيق أشد الخيارات، وأبعدها عن المرونة، هو أيضًا لا يستطيع أن يتماهى مع الأهداف العليا للمنشأة، وبالتالي سوف يكون ضرره على إنجازات المنشأة، وقصورها عن تحقيق أهدافها، هو في المحصّلة الأخيرة نفس ضرر الموظف الفاسد أو المرتشي.
لذلك فإنني أهيب بهيئة النزاهة، أن تضيف إلى مهامها، تتبع الموظفين المعقدين، خاصة أولئك الذين لهم علاقة بخدمات المواطن. فهناك أناس جبلوا على التعسف والتعقيد والاهتمام بسفاسف الأمور، ويحتلون مناصب إدارية عليا - مع أن صلاحياتهم تتيح لهم أن يتفهموا الحالة، ويتجاوبوا مع الضرورات، ويتعاملون بما تمليه روح النظام لا النصوص الجامدة، التي دائمًا ما تفترض معالجة جميع الاحتمالات بشكل لا يتيح أي ثقوب يستغلها الموظف الفاسد للإثراء غير المشروع. فيجب أن نعترف أن هناك بعض المنشآت الحكومية المسؤولة عن التراخيص أدى تعقيد وتعسف موظفيها، وتعقيد إجراءاتها، لهجرة أموال السعوديين إلى الاستثمار في الخارج؛ ولدينا مثال يجب أن يُحتذى وهو الاستثمار في الإمارات العربية المتحدة، حيث يجد المستثمر، مواطنًا كان أو وافدًا، كل التسهيلات للاستثمار هناك، وحسب ما وصلني من معلومات أن الموظف الفاسد والموظف المعقد الذي يعيق تراخيص المشروعات التجارية، تتعامل معه أجهزة الرقابة الحكومية هناك بالإبعاد فورًا، لأنهم يدركون، من تجاربهم الطويلة في مجال استقطاب الاستثمارات أن علة الموظف الفاسد لا تختلف عن علة الموظف المعقد، فيتم إبعاد هذا وذاك.
وطالما أننا لم نتنبه إلى هذه الجزئية في إدارة المنشآت الحكومية المعنية بإصدار التراخيص، والعمل على إبعاد المعقدين والفاسدين منها، فلا ننتظر أن مستثمرًا من الخارج أو الداخل، سيفرط بأمواله في بيئة معقدة في إجراءاتها، وموظفيها كتل من تعقيد سيأتون ليستثمروا في بلادنا.
إلى اللقاء.