عبد الرحمن بن محمد السدحان
«كنتُ فـي (سندريلا) الشرق سنغافورة ذات وقت من ذات عام ترافقني عائلتي فـي رحلة استجمام قصيرة، حين انتبذتُ مكاناً قصياً فـي بهو فندق إقامتنا ورحت أُطارِحُ نفسي النجوى عبر التساؤلات التالية:
***
«ماذا نعرفُ نحن العربَ عن شرق آسيا البعيد العجيب؟!
«تلك القارة الفسيحة التي يقطنُها أكثرُ من ثلث سكان كوكبنا الأرضيّ الشقيّ السعيد!
«ماذا نعرف نحن العربَ عن هذا الشرق المتَعدّدِ.. ألْسُناً وأدْياناً، وجذوراً أثْنيّةً وثقافيةً وتاريخيّةً.. ومواردَ بشرية وطبيعية، وتضاريسَ ومناخاتٍ.. وإنجازاتٍ حضارية وصناعية يعانق بعضُها العالمية؟!
«فيه أضخم تجمُّع مُسْلم في بلدٍ واحدٍ.. يُسمىّ إندونيسيا!
«وأضخمُ تجمُّع سكاني متجَانس الجذور.. يُسمىّ الصين!
«وأغربُ تعدّديةٍ في الأديان والألسُن والعَادات.. يُسَمىَّ الهند!
***
«وفـي المقابل..
«ماذا يعرفُ هذا الشرقُ العجيبُ.. عنّا (قبائلَ) العرب؟!
«عدا أننا منظومةٌ من الأعراق والأعراف والعادات.. يجمعنا لسان واحد، وتفرّقُنا أمورٌ أخرى، مصالحُ وأنظمةٌ ومواردُ وغايات؟!
***
«ماذا (يعرف) عنا هذا الشرقُ.. نحن عربَ الخليج تَخْصِصياً، عَدا أنّنا فـي تصّوره نتناول ثلاث وجبات يومياً من (سمن) النفط و(عسله)!
«وأننا وكثيرون من (أشقائنا) العرب.. نسْعَى بحرص لإقامة جسور من الفهم والتعاون.. وتبادل المصالح.. مع الغرب!
«ونحرصُ أشدّ ما يكون الحرص على تلميع هُوية إنساننا العربي عبر قنوات إعلام ذلك الغرب وعقول أبنائه !!
***
«ورغم ذلك كله:
«لم يفلحْ معظُمنا حتى الآن.. فـي بلوغ تلك الغاية بالقدر الذي كان يتمنّاه! لم نفلحْ.. لأسباب أعيتْنا الحيلةُ عن إدراكها حتى الآن! قد يكون أحدُها.. ضعفَ وسيلة (الخطاب) الذي نحاول العبور من خلاله إلى العقل الغربي!
«وقد يكون ثانيُها.. (الموروثَ) عنّا مِمّا يختزنُه ذلك العقل، من (رومانسيات) التاريخ و(تناقضات) السياسة، و(يوتوبيا) الاقتصاد، و(فلسفات) البعد الاجتماعي!
«وقد يكون ثالثُها.. إصرارَ العقل الغربي نفسه.. على عدم الرغبة فـي الفهم، كي يَبْقَى الشرقُ شرقاً.. والغربُ غرباً.. ولا يلتقيان!!
***
«أعودُ من حيث بدأتُ.. فأقول:
«هذا الشرقُ البعيدُ العجيب الرابضُ فـي حضن القارة الأسيوية.. يجهلُ عنا الكثيرَ.. ونجهلُ عنه الأكثرَ.. رغم صلتنا العريقة به، ورغم الجسُور التي تربطنا به.. اقتصاداً وثقافةً وتاريخاً وحضارةً!
***
«ألاَ يستحقُّ هذا الشرقُ منا لفتةً شاملةً ذكيةً - مثلما فعلنا ونفعل بإصرار لا يدركُه ملَلُ مع الغربِ (القريبِ) منّا مسافةً و(الغريب) عنا منْهجَ حياة - تزيدُ هذا الشرقَ بنا أُلْفةً، وتَزيدُنا به معرفةً وفهماً.. وتمهّد لنطاق أوسعَ من التعاون معه على أكثر من صعيد؟!
***
وبعد..،
«فهذه تأملاتٌ.. أطرحها على أعتاب الجهات الرسمية وشبه الرسمية المعنية بها في الوطن العربي، مُسْتَلهِماً في ذلك ومُسْتَهدياً بالنتائج الإيجابية المتوقَّّعة بإذن الله لزيارة سيّدِ هذا الكيان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود أيده الله، إلى عدد من دول جنوب شرق آسيا، راجياً أن تكون هذه الزيارة المباركة فَاتحةَ عَهْدٍ ميْمُون من التواصل والتعاون المستمر الواعد بالخير لكل الأطراف، شعوباً وحكومات!