جاسر عبدالعزيز الجاسر
القوميات والتجمعات البشرية العرقية، كالأفراد، فالأعمال التي تقوم بها والأساليب التي تنهجها للحصول على حقوقها إنما هي سلوك جماعي لأفراد تلك العرقية القومية، ولأن الأكراد وجدوا أنفسهم مشتتين بين أربع دول قوية إقليمياً، تركيا، وإيران، والعراق، وسوريا، فإنهم مثلما يلجأ أحدنا أو الفرد منا لمن يساعده على استرداد حقه، فإن الأكراد اتجهوا لمن يحقق مبتغاهم، والمبتغى النهائي دولة أو كيان يجمع شتاتهم.
الأكراد لجأوا لجميع الدول، وتقريباً كل الكتل الدولية، القوى العظمى في العالم، والدول المحورية الإقليمية، بل حتى الكيانات الطارئة، إذ نشرت بعض التقارير عن تعاون بين بعض القيادات الكردية مع الإسرائيليين وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي شيمون بيريز قد أقام خط اتصال مع الأكراد.
ماذا قدمت تلك الدول والقوى الدولية؟. لا يمكن اعتبار كل ما قامت به القيادات الكردية فاعلاً، ولم يتم استغفالهم تماماً، صحيح أن الجميع هو استغلال واستثمار حاجة الأكراد لمن يساند قضيتهم، إلا أنه في المجمل يمكن القول إن الأكراد استفادوا من علاقة قيادتهم بالولايات المتحدة الأمريكية وبالمعارضة العراقية التي كانت تقيم خارج العراق وخاصة المقيمة في بريطانيا وأمريكا وسوريا، إذ ساعدت هذه المعارضة في تكوين «لوبي كردي» داعم للأكراد، وقد أثّر ذلك «اللوبي» على فرض منطقة الحظر الجوي في شمال العراق من قبل الدول الغربية وبالذات أمريكا ودول الحلف الأطلسي، وهو ما ساعد في كيان كردي كأمر واقع في شمال العراق وحتى قبل الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق 2003م ظهر الكيان الكردي في إقليم كردستان، وأكمل الأكراد إقامة مؤسسات دستورية كمقدمة لإقامة الدولة الكردية، فانتخبوا رئيساً، ومجلس نواب، وحكومة لها رئيس وزراء، واستضافوا عدداً من القنصليات الأجنبية تمهد لسفارات لتلك الدول.
أيضاً استفاد الأكراد من علاقتهم الخاصة بالمعارضة العراقية التي منحتهم تميزاً خاصاً رفعت من تمثيلهم وجعلتهم القوى السياسية الثانية متقدمين على السنة العرب كما حصلوا على 17 بالمئة من ميزانية الدولة، وحافظوا على مؤسساتهم العسكرية وخاصة «الباشمركة» وهو الجيش الوطني الكردي، وأجهزة الشرطة والمخابرات الكردية وكرسوا عرفاً في الحياة السياسية العراقية بحجز منصب رئيس الجمهورية لهم، إضافة إلى نائب رئيس مجلس النواب ونائب رئيس الحكومة وحجز عدد من الوزارات الهامة منها وزارتان سياديتان وأيضاً وعبر تحالفهم مع القيادات الشيعية حصلوا على امتيازات أخرى في «الدستور العراقي» إضافة إلى تمهيد أو انحياز لطلبات الأكراد في بعض المناطق المتنازع عليها وجميعها في مناطق تخص العرب السنة.
كل هذا كسبه الأكراد من علاقاتهم مع المعارضة العراقية الشيعية ومن الدول الغربية وبالذات أمريكا التي لا تزال تزودهم بالأسلحة.
والأكراد وبقدر ما كسبوا من علاقاتهم مع الغرب ومع المعارضة العراقية خسروا من علاقاتهم الإقليمية وبالذات من الدول التي لهم فيها حضور قوي وبالذات في تركيا وإيران وسوريا، ودون التوغل كثيراً في التاريخ نتحدث عن الاستقلال للقوى الإقليمية للأكراد وتوظيفهم للقتال وكالة عن تلك القوى، مثلما يحصل الآن في محافظة نينوى وبالتحديد في قضاء سنجار حيث تقاتل عناصر من «قوات حماية سنجار» وهم عناصر غير عراقية، أو يشكلون خليطاً من أكراد تركيا وسوريا ويواجهون أكراد العراق ممثلين بالباشمركة الكردية التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يقوده مسعود البرزاني.
مقاتلو حزب العمال الكردستاني سواء الاثنين من تركيا أو من سوريا يقاتلون أشقاءهم من أكراد العراق، وكلاهما يتهم الآخر فالباشمركة التابعة للبرزاني يتهمون مقاتلي حزب العمال الكردستاني بأنهم ينفذون أجندة النظام السوري للنيل أو حتى محاربة تركيا، أما حزب العمال التركي وحليفه قوات سوريا الديمقراطية الكردية فإنهم يتهمون مقاتلي البرزاني بالعمل لصالح تركيا والمحصلة إراقة المزيد من دماء الأكراد.
في مكان آخر تندلع معارك وعداوة أشد شراسة، وهذه المرة بين أكراد العراق أنفسهم، إذ تقوم عناصر تابعة لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يرأسه جلال الطالباني بالقتال والعمل لتعزيز نفوذ إيران في محافظة السليمانية معقل الحزب ولا تتوانى من مواجهة قوات الباشمركة الكردية التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يرأسه مسعود البرزاني والتهمة جاهزة حيث يتهم كل منهما بالعمالة لإيران بالنسبة للطالباني وتركيا للبرزاني وأيضاً تسفك دماء كردية خدمة لأجندة قوى إقليمية عرقلت وعطلت حلم الدولة الكردية.