محمد آل الشيخ
الترفيه في المملكة له تاريخ ممتد لأكثر من أربعة عقود أو تزيد. فقد كانت الأفلام السينمائية تعرضها الأندية الرياضية في أغلب المدن السعودية، وكانت الحفلات الفنية منتشرة كذلك؛ فقد أقام -مثلا- الفنان محمد عبده حفلا غنائيا ساهرا عام 1401هـ في بريدة بالقصيم، كذلك أحيا الفنان عبدالله الصّريخ حفلا غنائيا في نادي طويق بالزلفي عام 1402هـ، كما أقام مجموعة من المطربين السعوديين على رأسهم الفنان محمد عبده والفنان المرحوم سلامة العبدالله عام 1405 حفلا في عروس الشمال حايل، وقد شارك آنذاك. بالمناسبة - في إحياء الحفل راشد الماجد، وكان حينها فنانا صاعدا. أما أبها البهية، فقد قاومت الغلاة والمتشددين حتى عقود متأخرة، امتدت إلى زمن قريب، فقد شهد مسرح المفتاحة فعاليات فنية واحتفالية في فصل الصيف سنوات عديدة، حتى بعد ما يُسمى بالصحوة المتأسلمة.
غير أن الفترة الصحوية، حيث ضرب التشدد ودعاته أطنابهم في كل المدن السعودية وأريافها، تغير المشهد، وأصبح التشدد والإيغال في التنطع هو التوجه الغالب على مظاهر التدين في المملكة، وتم إقصاء التسامح وكل فعاليات الترفيه، وكأنها رجسا من عمل الشيطان، يجب أن تحارب، وتحاصر معها الابتسامة، وكل من تسامح في أمر من هذه الأمور فهو يتسامح في شأن معلوم من الدين بالضرورة.
الأمر الآخر الذي انتشر مع انتشار التشدد، تنامي سلطات الغلاة، وتسنم أغلبهم سنام الشؤون الدعوية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى أضحى التضييق ديدنا، والتسامح تفريطا؛ فتحولت كثير من المسائل الفقهية التي هي محل خلاف بين المذاهب، إلى مسائل يزعمون أنها إجماعية. أشهر هذه القضايا المتعلقة بالترفيه كانت الغناء والطرب؛ وغني عن القول إن أي (طويلب علم) لا يمكن أن يفوته أن هذه المسألة بالذات اختلف حولها الفقهاء بين الإباحة والكراهية والتحريم؛ وأن من أصول ومبادئ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ألا تنهي عن منكر جرى عليه الخلاف بين فقهاء أهل السنة؛ إلا أن (الغلاة) كما عرفناهم، وعانينا في المملكة منهم، لا يكترثون بمسائل الخلاف، فإذا رأوا رأيا رفعوا من شأنه، وبمن يقول به، إلى درجة وكأنه يحظى بالإجماع، حتى وأن كان كثير من فقهاء المذاهب لا يرونه كذلك، لأن قضايا الخلاف يجعل في الأمر سعة، وهم يتقصّدون التضييق ما أمكنهم ذلك، مرة سدا للذرائع، ومرة إتباع فقيه عُرف بالتشدد والغلو، ففي معاييرهم كل ما اتسعت دائرة التسامح ضعفت وصايتهم وسيطرتهم على الناس، وتراجع نفوذهم، والعكس صحيح، هذا فضلا عن أن أغلب من ركب مطية الصحوة كان يهمهم السلطة والنفوذ والوصاية على المجتمع، لذلك يهمهم أن تتسع مساحة المنكر ليمارسوا سلطتهم، ويدفعون بكل قوة أي حجة من شأنها تقليص سلطاتهم، من خلال توسعة مساحات التسامح واللين.
مما تقدم يتضح أن الترفيه بشتى أنواعه كان حاضرا وبقوة في الماضي، في حين أن التشديد والتضييق ومحاصرة السعادة، كلها أمور طارئة على تاريخنا.
إلى اللقاء