م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
الإنصات وسيلة الخروج من المنطقة العمياء في عقولنا.
1. للخروج من المنطقة العمياء في عقولنا علينا دائماً أن نغيّر اتجاه التساؤلات في أذهاننا ومنطلقات التفكير في منهجياتنا.. وزوايا الرؤية في نظرتنا للأمور والأحداث والأشياء.. بمعنى أن ننتقل بعقولنا من أماكننا إلى أماكن من نريد التواصل معهم والتأثير فيهم والوسيلة الأولى والأهم لتحقيق ذلك هي الإنصات أولاً.
2. دارسو التأثير يؤكدون أن الناس تتحرّك باتجاه من ينصت إليهم.. فهل فعلاً الذي يحرك الناس تجاه الذي ينصت لهم هو مجرد الإنصات.. أم أنه من خلال إنصاته يكون قد تعرَّف على همومهم العاطفية وشجونهم الحياتية وشؤونهم المعيشية فسهل عليه التواصل معهم.. فعرف ماذا يقول، ومتى يقول، وكيف يقول.. لهذا ينجذب الناس إليهم ويتأثرون بهم ويتبعونهم؟
3. الذي لا ينصت ينقصه التواضع فيخسر فرصة التعلّم.. لأنه لا يريد أن يعترف أنه لا يعرف.. وليس لديه الجَلَدُ أن يبذل جهداً كي يتصل بالناس وفق شروطهم حتى يعرف.. وأن الإنصات لا يعني التنازل عن قناعاتنا، بل يعني إرجاء أحكامنا حتى نسمع ونفهم ثم نحكم.
4. حينما تنصت فلست مطالباً بأن تكون موضوعياً، بل مطالباً بأن تحاول أن تفهم وتنظر إلى الزوايا الأخرى التي لم تنظر من خلالها بعد.. فأهواؤنا ومشاعرنا وأفكارنا ومناطقنا العمياء في عقولنا وصولاً إلى مصالحنا وطموحاتنا وخبراتنا كلها تؤثّر في إنصاتنا.. هذا من ناحيتنا.. أما من جهة تأثر موضوعية إنصاتنا بما يصدر عن الآخر مثل نبرة الصوت وسرعة الكلام وارتفاعه وحدته.. والمفردات التي يستخدمها ولهجته التي يحكى بها.. وصولاً إلى تعبيرات وجهه ولغة جسده ومخارج ألفاظه.. إضافة إلى مزاج المتحدث وعواطفه تجاه ما يقول وما يريد إيصاله من رسائل.. فكلها عوامل تؤثِّر على موضوعية الإنصات لدينا.. وهو ما لا نملك تجاهه شيئاً لتصحيحه.
5. الإنصات هو أن تسمح للآخرين أن ينقلوا لك ما يعرفونه وما يشعرون به.. فالإنصات يعني أن تهتم بالمتكلم وأن تهتم بما هو مهم بالنسبة له.. فالإنصات يعني أن استماعك ليس استماعاً عابراً أو استماع الدفاعي المتحفّز للتبرير أو استماع المستدرج المتصيّد.. بل استماع الراغب في الفهم والتعلّم.
6. يقول عالم النفس (ويلفريد بيون): إن أنقى أنواع الاستماع هو الاستماع بدون ذاكرة أو هوى.