د. خيرية السقاف
يأوي إلى حجرته، في زاوية منها متكأه
يفتح له بَراحه قبل أن يأتيه
وحيداً اليوم كله، علَّه يحادثه بعد عودته
يتلهف الاستماع لحصيلته
يوماً طويلاً بثوانيه، ودقائقه، وساعاته
يرافقه قلمه، وهاتفه، عربته، مفاتيحه، حذاؤه، أوراقه
إلا هو، سجين غرفته!!
هذا المتكأ يحادث نفسه، قابع في ركنه الصومعي ينتظره!!
لكنه حين يعود فرأسه المكتظة بمكنونه تأوي إليه
بجسده المنهك، وزفيره المتعب!
وهو ينتظر أن يقول شيئاً له، أن يفضي إليه
لكنه لا يفعل مع أنه يكون إليه!
مشغولة عيناه بهاتفه
يكركر فيبتسم معه
يتنهد فيتساءل بلهفة عن مواجعه
يقفز متعجباً، مبتهجاً، فيُدهش بفرحة معه
يصمت، يصغي، فيتململ في معيته!!
لسان حاله أن تكون له عينان، ولسان، وشفتان
ولو يرى جوفه، يحدثه، يسأله
أن يقبض على كتفيه، يهزه ليتكلم
يقف جواره يتفحصه
يمشي معه دونه، يرافقه
لا يكفي أن يتكفل بجلوسه صامتاً، قارئاً، مشاهِداً،
متحدثاً إلى نفسه، إلى ورقه، إلى كتابه
راشفاً قهوته، مستطعماً طبقه
دون أن يشركه همَّه وفرحتَه، فكرتَه وتذوقَه!!
ففي القصص التي يقرأها وهو مسند إليه
الأبطال يحدثون مقاعدهم، وسائدهم، أبوابهم، نوافذهم
يبكون عندها، يشكون إليها
تتلقى دموعهم
يضحكون تتوحد مع سعادتهم
يغضبون يقذفونها، يغلقونها، يصفقونها، يركلونها
يفعلون أي شيء تشاركهم أشياؤهم!!
لكنه لا يفعل..
يركن إليه بصمت
ويغادره بصمت
مجرد قطعة جماد هو بالنسبة إليه!!
* * *
الأشياء الصامتة في حياته هذا الإنسان تتكلم
لكنه بشرٌ لا يصغي لغير ذاته!!
ويتخلص من أشيائه متى شاء
حتى متكأه الساكت الصبور!!..