أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: لا مراء في أنَّ في طبيعة الفكر الإنساني الْـجِبِلِّيِّةِ استكشافُ العِللِ والأسبابِ؛ وفي فلسفةِ (ديكارت): ((أنا الْـمُفكر لديَّ (فكرةُ اللامتناهي/ أيْ غيرُ الْـمُتناهي)؛ فَمَنْ الذي أودَعها فكري؟..قال (ديكارت): هو الله الكامل اللامتناهي، ومِنْ ثَمَّ تأتي الاستفسارات هكذا: لماذا لا تكون هذه الأفكار تحقَّقتْ بواسطتنا من صميم أنفسنا، ولِمَاذا لا تكون هذه الأفكار تحقَّقتْ من محيطنا ووسطنا ووالدِينا أو أيِّ شيءٍ آخر في هذا العالَم، ولِمَاذا كانت هذه الأفكار لم تتحقَّق إلا بواسطة موجودٍ عَبْرَ العالَم، ولِمَاذا أشترطُ لذلك الْـمَوجودِ الكمالَ واللاتناهَيَ؟؟؟.. ويأتي جواب (ديكارت) على هذا النحو: الشيئُ لا يخلق نفسه؛ فلو كانت فكرةُ الْمَوجودِ الواجبِ الكاملِ اللامتناهي مستقلَّةً عن غيرِي، منبثقةً بفعلي: لَـما كنتُ أشكُّ في شيءٍ، ولا أشتهي شيئاً، ولا أفتقر إلى كمالٍ.. كنتُ إذنْ أخلق نفسي على منتهى الكمال، ولكنْ هذا لم يحصل لأمور: أولها أنَّ معرفتي تترقَّى في كل يوم في مراتب الكمال؛ فهذا الارتقاء في المعرفة دليل على وجود النقص فيها؛ مِـمَّا يجعل الخطأَ يتسرب إليها؛ ففي طبيعةِ الإنسانِ أشياءُ كثيرةٌ بالقوة لم تتحقَّق بعدُ فِعلاً.. والكمَالُ حقّْاً هو وجودُ الـقُوَّةِ والفعلِ في آن واحد؛ وهذا ليس إلا الكمالَ اللامتناهى.. وثانيها أنَّ معرفتي مهما ارتقتْ في مراتبِ الكمَالِ؛ لا أستطيع أنْ أتصوَّرها لا متناهيةٍ بالفعل؛ لأنَّـها لنْ تبلغَ درجةً ليس بعدها من زيادة.. وثالثُها أنَّ استمرارَ وجودي مِن لحظةٍ إلى أخرى يحتاج إلى تعليل؛ فكوني موجوداً منذ لحظةٍ إلى أخرى ليس سبباً لكوني موجوداً الآنَ مالم تكن ثمة قوة تخلقني خلقا جديداً، ولو كنت خلقت نفسي في البدإِ: لوجبَ أنْ أخلقها من جديد في كل لحظةٍ تَـمُر بي، ولكنَّ المُشاهَدَ أنَّ الإنسانَ محكومٌ بحتميات القدر؛ والذي يخلق نفسه يستطيع أن يحتفظ بديمومة هذا الخلق؛ فهل ثمة من يدرأُ الموتَ عن نفسه ؟!.
قال أبو عبدالرحمن: (دِيكارت) مِن مُؤمِني النصارَى بعزمٍ وتصميم؛ وهو أبو الفلسفةِ الحديثة؛ ولكنَّ إيمانَه إيمانٌ بما في الأناجيل ورسائلِ (بولْس الرسول المُكَرِّز)؛ وهو يهوديٌّ ادَّعَى كذباً أنَّه من حَوَارِيِّيْي المسيح بن مريم (عليهما صلواتُ الله وسلامُه وبركاته) ؛ وقد كذب في ذلك؛ فإن بين ميلاده وبين رفْعِ اللهِ المسيحَ عيسى عليه السلامُ أربعين عاماً كما بيَّنتُ ذلك في كتابي(لن تلحد) بطبعته الأخيرة؛ فكيف يكونُ مِن حَواريِّيْه.. ويهود حَرَّفَتْ الأناجيل زيادَةً ونقصاً وتحريفاً لِلْكَلِمِ مِن بعدِ مواضعه، كما حرَّفُوا كُتُبَهم من أسفار العهد القديم؛ فكان على (ديكارت) وبقيَّةِ مُؤْمني النصارى الذين لم يَدْخُلُوا في الإسلام(؛بناءً على بشاراتِ عيسى برسولٍ يأتي مِن بعده اسمه أحمد عليهما صلواتُ الله وسلامُه وبركاته): أنْ يتأمَّل ما في الْـعَهْدينِ القديمِ والجديد من البِشارات؛ وهي نَصّْاً باقِيَةٌ كما هي نَصَّاً، وإنما حُرِّفَتْ تأويلاً مع بقاء النص؛ فَيَلْحقَ بإخوانه الذين وَصَفَ كلُّ واحدٍ منهم نفسَه: (بالمهتدي بالله فلان)؛ فعبدوا الله وَفْقَ كتابهم الذي جعله الله لهم هدى ونوراً ، وأَمَرَهم بالحكْمِ به إلى أنْ يُبْعَثَ الرسولُ المبشَّرُ به محمدٌ صلى الله عليه وسلم.. وإبطالُ التحريفِ مع بقاءِ النَّص سهلٌ ولا سيما أنَّ (دِيكارت) شديدُ الإيمان بذي الكمال الْـمُتناهِي المطلق، والتنزه المطلق؛ وأما التنازُلاتِ السوفسطائيةَ التي أَضَرَّتْ بيقين ديكارت فلها حديث يأتي إنْ شاء الله تعالى؛ وحسبي أنني أَشَرْتُ في عنوان هذه الحلقة إلى أنَّ اليقينَ ضرورةٌ وليس اختياراً.. وإلى لقاءٍ في السبتِ القادِم إنْ شاء الله تعالى, والله المُستعانُ.