علي الخزيم
يتداول بعض الفتيان مقطع فيديو لرجل مسن يبدو متحمساً لفريقه أثناء لقاء كروي، ويتندرون على الرجل تحت وطأة ثقافة مختلفة تُغذي أفكارهم بأن عشق فن كرة القدم وبقية الألعاب والفنون إنما هو حكر على الشباب من الجنسين، أو يبعث لك أحدهم بصورة رجل كهل أمام بائع الورود يتأمل باقة أبهره جمالها ورونقها، فالمرسل تملَّكته رواسب معرفية خاطئة بأن الشيخ والكهل لا يدرك معنى هذا الجمال أو أنه مع العمر توَلَّى به الفكر عن هذه المعاني إلى ما دونها لينحني أمام عواصف الزمن متحسراً على الشباب، هما مثالان وكفى؛ يشرحان نظرة البعض لكبار السن وكأنهم لم يكونوا فيما مضى شباباً يتمتعون بالعنفوان والفتوة، ويريد (ذاك البعض) أن يسلبهم أحاسيسهم ومشاعرهم وإحالتهم إلى تقاعد مبكر أمام نور العقل وخلجات القلب وتحويلهم إلى أجساد خاوية من العاطفة والذوق الرفيع، لا بل إن النظرة القاصرة تريد أن تحتكر كل جميل وإبداع كوني لمتعة جيل الشباب ليس إلا؛ وتتناسى هذه الفئة أن جيل الأمس هم من غذَّوا فيهم أحاسيس الجمال وإدراك معانيه وتذوّق روعته، الكهل المتحمّس لفريقه المفضَّل هو من كان يصطحب هذا المراهق المتندّر به إلى الملعب، وهو من كان يأخذه إلى معرض الزهور السنوي بمدينته، وهو من كان يحمله معه بدراجته إلى الحديقة ليستمتع بالهواء الطلق بين الورود وجداول الماء وشقشقة العصافير، فهل كان الشيخ عديم الحس والذوق حينما كان يتنقّل بك بين جنبات الإبداع والفن والجمال؟!
دعوة لاحترام كل شيخ أو كهل تقاعد عن العمل أو أوشك وما زال يُظهر من الحيوية والنشاط ما يلفت الشبان، فهو بذلك يعلّمهم درساً جديداً بأن تنظيم الوقت والاستمتاع بالحياة مطلب شرعي لكل مراحل العمر، والإنسان المتحضِّر هو من يرتب وقته وأن لا ينغمس بين تطبيقات الأجهزة الإلكترونية ويُمضي جلّ وقته جالساً يتعب قلبه ومشاعره وعينيه ويستهلك الوقت دون فوائد كبرى، فالأجدر أن تكون هذه الأنشطة الإلكترونية ضمن برنامج يومي مُجدول بين الرياضة والقراءة المتنوّعة ومتابعة الأحداث الجارية والاستمتاع بألوان الفنون ومجالسة الصحبة الأخيار.
روى كاتب حكاية خفيفة تشير إلى أن البعض من الجيل الشاب لا يستوعب ما يدور بمحيطه لارتباطه الفكري غالباً بما تقدّمه له الأجهزة الذكية من ثقافات أخرى يتلقفها بإعجاب ولا يقارنها بما حوله ببيئته؛ قال الراوي: سألني أحد العقلاء حينما كنت بين ثلة من الأصدقاء - وكان بصحبتهم فَتَيان مراهقان - عن أفضل الأوقات للكتابة؟ قلت: إنني قد أكتب مقالاً أو قصة وأنا بالانتظار بالمستشفى أو المطار ونحوه، لا سيما إذا قدحت فكرة نتيجة موقف أو مشهد وأخشى أن تُفلت مني فأبادر بتدوينها بجهازي المحمول، وأمضي بالكتابة فتكون بذلك (قصة أو مقالاً)، فقيل لي لاحقاً إن الشابين قد تهامسا بالقول: (يتميلح يعني إني)!
لماذا نستهين بأنفسنا ونقلِّل من قدراتنا، لو قال أحد الوجوه المعروفة ببلد أجنبي هذا الكلام لأشاد به الكثيرون وغرَّدوا بأقواله إعجاباً.