ياسر صالح البهيجان
تبرز أزمة عدم التفريق بين مصطلحي «الخطاب الديني» و»النص الديني المقدّس» كإحدى أكبر الإشكالات التي تعاني منها منظومة الفكر العربي، إذ يُعد الخطاب ضربًا من التأويل والاجتهاد في استنباط وفهم النص المقدّس وليس جزءًا منه، أي أنه منجز بشريّ قابل للمساءلة ومبدأ التفاوضيّة حول آليّات إنتاجه ومدى ملاءمته للواقع، فيما يظل النص المقدّس الإلهي بمنأى عن الممارسة النقديّة العقليّة لتعاليه على إمكانات العقل الماديّة.
ويبرز الإشكال في فهم الخطاب الديني عندما يُعتقد بأنه صادر عن الإسلام برمته، وليس فرعًا عن تصوّر منتجه، ولم يسلم من هذا الخلط الشيخ يوسف القرضاوي الذي قال في ندوة له بنقابة الصحافيين المصرية جاءت بعنوان: (تجديد الخطاب الديني كيف ولماذا؟)، بأن الخطاب الديني هو «كل بيان باسم الإسلام يوجه للناس سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين لتعريفهم بالإسلام، وقد يأخذ هذا الخطاب شكل الخطبة، المحاضرة، الرسالة، المقال، الكتاب، المسرحية، والأعمال الدرامية»، والحقيقة أنه ليس خطابًا يُدان به الإسلام إن أخطأ صاحبه في تأويل النص المقدّس، إذا ما علمنا بأن المذاهب الإسلاميّة والفرق حافلة بالأقوال المتضادة في العديد من القضايا الفقهيّة فضلاً عن القضايا العقديّة.
ووقع في الإشكال ذاته عبدالله المالكي في كتابه: (نقد الخطاب الديني بين مفهومين)، عندما جعل القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة فرعًا من فروع الخطاب الديني، ما يكشف عن غياب مفهوم الخطاب لدى المالكي، إذ الخطاب ليس مجرد تعالق الجمل لتشكّل مفهومًا محددًا، بل هو نتاج سياقات لغوية واجتماعية وثقافيّة تصلح لبيئة معينة وقد لا تصلح لأخرى انطلاقًا من الاختلاف والتعدديّة، ووفق هذا المعنى فإن القرآن الكريم والسنة النبويّة لا تنضويان تحت ما يسمى بالخطاب الديني لأنهما صالحان لكل زمان ومكان، ومتجاوزان للسياقات التاريخيّة التي تطرأ على المجتمعات البشرية من زمن إلى آخر.