تغير الزمان وتطورت الأحوال، وما كان خفيا بالأمس صار اليوم مكشوفاً على الملأ، ولأن الإنسان ابن بيئته يتأثر بها وبكل العوامل المحيطة به، فإن الفكر الذي كان يحمله المستترون بالأمس ليس هو ذات الفكر الذي يحمله المجاهرون اليوم، فقد كان التقارب الذي أتت به الثورة المعلوماتية والرقمية على مستوى العالم فرصة مواتية لمن يحسن استغلالها لصناعة محتوى أيسر له وأقل كلفاً وجهداً من اللقاء المباشر عبر المحاضرات وفي الصالونات الثقافية الأدبية، وأهون على المريدين (للعلم) والثقافة من قطع المسافات الطويلة لحضور محاضرة لا تزيد مدتها عن ساعة وربما أقل!
لكن الكثير من كُتاب الزمن الرقمي الذين تفجرت طاقتهم الكتابية في زمن الإنترنت تحديداً، أبوا أن يجعلوا من الوسائل التي قربتهم لجماهيرهم فرصة لصناعة محتوى مميز، ولست أعيب على من جعل من محتواه عبر (السناب شات) مثلاً فرصة للاطلاع على حياته العادية بعيداً عن طقوس الكتابة والكتب، وبعيداً جداً عن هموم الثقافة والأدب، ولكن أعيب على من استغل جماهيريته اللامحدودة، وبدأ يتلاعب بأولئك (التبعيون الجدد) ويوجههم كيفما شاء، (تابعوا فلاناً، واحصلوا على كتاب فلان من المكتبات) ثم يطل بعد ذلك عبر صفحته الرسمية في برنامج التواصل الاجتماعي الأشهر (Twitter) ويكتب تغريدة محتواها: «أنا صاحب فكر مستقل، لا أتبع أحداً» في تناقض عجيب لا يفعله العامة فكيف بالنخب!
أتصور ماذا لو أن مثل هذه الثورة المعلوماتية قد كانت في عهد طه حسين، ونجيب محفوظ وآخرون من الكُتاب الذين شكلت كتبهم ثورة على المستوى الأدبي والثقافي وفي الطابع الاجتماعي، رغم أنها لم تحظ آنذاك بدعم رقمي معلوماتي كما تحظى الكتب الآن!
ولكي أكون منصفاً فإن (كُل) من حملوا لواء الأدب والثقافة قبل عصر الإنترنت والثورة المعلوماتية الرقمية لم ينصبوا أنفسهم رموزاً ولم يجعلوا من متابعيهم أتباعاً، فهذا زمن للعرض وحرية الفكر والاختيار بعيداً عن (القيادة والانقياد).
أخيراً وليس آخراً، فإن منصات التواصل الاجتماعي تحمل رسائل لجيل مندفع، فلا بد أن يكون كل إنسان ينصب نفسه لتقديم المحتوى عبر هذه المنصات على قدر من المسؤولية، وأهلاً للطرح، وعليه أن يتذكر دائماً أن الرموز لا يدومون، والأتباع الذين يقرون اليوم، ربما في الغد يتصيدون!
- عادل الدوسري
aaa-am26@hotmail.com
AaaAm26 @