د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
هذا عنوان الكتاب الذي أسعدني الصديق الأستاذ القدير عبدالرحمن بن عبدالله الغنايم به، وجاء في ثلاثة أجزاء، والأستاذ عبدالرحمن الغنايم هو عضو مجلس إدارة نادي القصيم الأدبي ببريدة المشرف على فرع النادي بالمذنب، وعرف باهتمامه الشديد بجغرافية بلادنا وثقافتها البيئية وله في ذلك عدد من المؤلفات من أهمها (المذنب بين الماضي والحاضر) و(المذنب في عيون الشعراء)، ومع ذلك هو شاعر شعر فصيح وشعر نبطي.
جمع الأستاذ عبدالرحمن الغنايم حكايات موثقة بأسماء رواتها ذكرهم في الحاشية، وهذا يجعل من كتابه مرجعًا مهمًّا يكشف أحوال المجتمع في زمن مضى، ويكشف عن معاناة أفراد هذا المجتمع الذي كافح في سبيل العيش ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، وهي أحوال أو أهوال إن شئت لا تدركها أجيالنا الحديثة بل قد لا تصدقها؛ فهي أشبه بما يُعرض له في المسلسلات الخيالية المكتوبة، وهذا الاتجاه الراصد لما تبقى من تراث بيئات بلادنا هو اتجاه محمود في ظل عصر تداخلت فيه الثقافات وطغت عولمة عاصفة تجتث مقومات الهوية الوطنية وتطمس معالمها، وإن من الوفاء لأجدادنا والأداء لأبنائنا أن تسجل هذه الحكايات بغض الطرف عن قيمتها المعرفية والعلمية، فمادتها ولغتها جديرة بالرصد والتسجيل بما هي كاشفة لأحوال ما تمثله من تاريخ بلادنا، ومادة هذا الكتاب صالحة لأن تكون نواة أعمال درامية، وأحسب أن بعض المسلسلات مثل طاش ما طاش قد استفادت من مثل هذه الحكايات، اقتصر الأستاذ عبدالرحمن الغنايم في جمعه وإعداده على الحكايات التي صاحبتها أبيات معبرة عن خلجات بعض شخوص هذه الحكايات أو مسجلة لصور ما عرض لتلك الشخوص، وحرص الأستاذ على شرح بعض كلمات تلك الأبيات شرحًا موجزًا، وأحسب أنّ هذه الأبيات بحاجة إلى شرح مفصّل؛ لأن ما يُظنّ سهلًا هو صعب بالغ الصعوبة عند أجيالنا الذين لم يتلقوا اللهجة العامية كاملة؛ إذ زاحمتها الفصيحة في المدارس وعاميات أخريات في وسائل الإعلام، والكتاب بنشره موجه إلى قاعدة عريضة من القراء لا خبرة لهم بلهجات نجد بله لهجة القصيم.
اهتمّ الأستاذ عبدالرحمن الغنايم بأن يصنف القصص وأبياتها في فصول، وأن يجعل لكل قصة عنوانًا، وأما عنوانات الجزء الأول فتبدأ بـ(مصاعب العيش وقلة ذات اليد) وما لذلك من أثر في (القضايا الاجتماعية) وما يتصف به المجتمع من (الوفاء وإسداء المعروف)، وعلى الرغم من تلك المصاعب لم تخل حياتهم كما ظهر في الجزء الثاني من جوانب تبين تعلقهم بالحياة وشغفهم بها فكانت حكايات (الغزل) وأشعاره، والحكايات سجل الأحداث والقصص مادتها التي تعطينا (لمحات تاريخية)، وربما أظهرت (الفخر بالأوطان وردّ الجميل لفاعل الإحسان)، وربما اتخذت الأحداث والحكايات شكلًا فنيًّا إبداعيًّا يظهر كيف يتعالى الأفراد على أحزانهم بالعمل المبدع ومن أبرزه (المساجلات الشعرية)، ونجد في الجزء الثالث المراوحة في موضوعات القصص والأشعار بين (النصائح والوعظ) و(المداعبات والطرائف) وبين ألوان من الأشعار فثم (أشعار النساء) وثمّ (الشعر الفصيح)، وأحسن الكاتب اقتراح عنوانات القصص؛ إذ قد يكون منتزعًا من لفظ مركزي في الأبيات المصاحبة للقصة كما في (لقاط الحفيرة) أخذه من قول بطلة القصة:
يحّول، ما شفتوا لقاط الحفيره
الحوض يسْوى زرعكم يا الدبابيغ
وقد يستوحيه من مضمون القصة كما في (أمنية مستحيلة) قصة الشاعر محمد الجريّد الذي تمنى الحصول على بعير يحتطب عليه؛ ولكن ذلك استحال عليه، فقد رافق ماشيًا ركبًا لم يستطع اللحاق بهم لعرجه فنكص، وصاغ أمنيته في أبيات، قال:
بغيت أنا لي بعير ورحت لعنيزه
مع الجماميل وخلوني على الساقه
الفقر الأقشر ذبحني كِثر تنهيزه
يِفتح له الباب لو حطيت سرّاقه
ليت البعارين تنبت بأسفل طنيزه
كان أجهم الفجر وآخذ لي طرف ناقه
وليت البحر من وراء هالضلع بفحيزه
كان أجدع الفقر ولا أخلي له لحاقه
وكنت تمنيت أن ينال هذه الأبياتِ وغيرَها في الكتاب الضبطُ الدقيق المصور للهجة التي قيلت بها، فالهمزة في (الأقشر) محذوفة وتنطق (الَقْشَرْ)، وفي (بأسفل) تنطق (بَسْفَلِ)، وفي (كان أجهم) تنطق (كانَ جْهَمَ)، وفي (وآخذ) تنطق (واخِذْ) وفي (من وراء) تنطق (مِنْ وَرَ)، وفي (كان أجدع) تنطق (كانَ جْدَعَ)، وفي (ولا أخلي) تنطق (وَلَ خَلّي).
ومهما يكن من أمر فهذا جهد كبير؛ فليس من السهل أن يستقري المؤلف مرويات الناس بما قد ينتابهم من الحذر، أو الحياء، ولعلنا نجد أمثال الأستاذ عبدالرحمن ينشطون لجمع ما يجدونه عند كبار السن في بيئاتهم المختلفة في بلادنا المترامية الأطراف الثرية بتنوعها الثقافي.
كتاب قصص وأبيات من محافظة المذنب كتاب جدير بالقراءة لطرافة مضمونه وجمال لغته وبعدها عن الترهل اللفظي وصدق تصويرها أحوال البيئة وسكانها.