عبدالله بن محمد الشهيل
مدخل :
إذا لم يحضر المخزون المعرفي المفحوص جيداً لأيةِ أُمةٍ براهنها الثقافي بقوةٍ.. وإلى جانبه : التحديث –Mode Rnity.. والحداثة – Mode Rnism : ما لم يُرفد بخلفيةٍ ذاتية.. وتأثرٍ مستلهم.. وتفاعل يعي المناسب : ينعدم الإبداع النوعي.. والثراء الثقافي.. والإضافات والتأثير.. وتتعطّل: استجابة الأصالة للمعاصرة.. وتبهت لافتقارها للجدة والعمق.. وانقطاع تتابع العطاء.
الثقافة لغة أتت من ثقف.. فيقال ثقف الشيء أي شذبه أو هذبه.. أو حسنه وطوره.. وبالتالي : حوله من حالٍ لحال بحيث أصبح جاهزاً للاستعمال.. وتأتي كذلك بمعنى : الرماح.. والسهام والسيوف.. إلا أن الثقافة : ولادة.. وفكراً وعلماً.. ومعطى ومكانةً.. وفعلاً ومفهوماً.. أبدعها عقلُ الإنسان بعد أن قدمه: الخالقُ جلت قدرته على سائر مخلوقاته ليخلفه على الأرض لإعمارها.. ففكر وتأمل.. ولاحظ وتابع حركة : الكون.. والماورائيات والكائنات.. وغامر وقاوم.. وجرب واختبر.. وفشل ونجح .
بعدئذٍ.. قاس قدراته العقلية والبدنية.. وتدبر ووعى.. وشيئاً فشيئاً.. روض وطوع.. وزرع وحصد.. وبنى وهدم.. واكتشف النار.. فطبخ وأكل.. وبالماء : شرب واغتسل.. وضل واهتدى.. وفهم كثيراً.. وجهل كثيراً .
ثنائيات شاء سبحانه : تضادها ليغني الحياة بتعددية الآراء والمواقف فيها.. وتنوع الأذواق.. وقد تلونت في التباينات.. وحمت بالاختلافات.. وأقصت الحرارة عنها : الرتابة.. والجمود والسأم.. وتعززت بالقيم.. والمواهب والمهارات.. والجهد والعمل.. وخمُلت بالكسل والبلادة.. والفقر البيئي.. والتطرف والنزاع .
وإذا كانت الثقافة قد ولدت من : فكر الإنسان.. وتأملاته وتجريبه.. فإنها لم تتراكم.. وتتشكل وتتعقد إلا بعد ما أثقلتها : الحقب الزمنية.. ومساراتها الطويلة.. والمتشعبة التي لا يمكن احصاؤها.. فنتج عن ذلك : سياقات عقائدية.. واجتماعية متباينة.. وأفكار ومفاهيم عديدة.. ومحصلة : مناخات بيئية.. وتصورات ودراسات.. ومواقف وجدليات متباعدة.. وأهواء ومشارب مختلفة.. وتيارات سياسية.. وفكرية متعارضة.. وإيدلوجيات متعادية.. وإملاءات وضغوط.. وانفعالات ذهنية.. وحالات : مزاجية ونفسية.. وقد صاحبتها : الكبوات والنهضات.. وضاقت واتسعت.. فكان طبيعياً أن تحضر بفعل هذا الكم الهائل من التناقضات والتعقيدات : إشكالية حياتية.. وإنسانية وحضارية .
أولاً: ما كان
اعني به: ماضي النوادي الأدبية على مدى مساحةٍ زمنية نافت على أربعة عقودٍ منذ تأسيسها إلى حين انتقال مسؤوليتها من الرئاسة العامة لرعاية الشباب إلى وزارة الإعلام التي عقب هذا الانتقال أصبحت تُعرف بوزارة الثقافة والإعلام.. غير أن تقديم أسمها لم يقدمها بالفعل .
ونظراً لأنني كنتُ مدةً قاربت : الثلاثين عاماً جزءً من هذا الماضي : عضواً مؤسساً للنادي الأدبي بالرياض عقب استئناف نشاطه على إثر تعليقه بضع سنوات.. فنائباً لرئيسه.. ومدة زادت على ست عشرة سنة : مديراً عاماً للإدارة العامة للأندية الأدبية بالرئاسة العامة لرعاية الشباب.. وأثناء الفترة الانتقالية التي سبقت العودة للانتخابات.. وقبيل تكوين الوزارة مجلس إدارة معين للنادي : كُلفت برئاسته .
لهذا السبب سأحاول بذل ما بوسعي : تجنب التعميم.. والقياس بغير النسبية في هذا الموضوع.. وضبط ميولي نسبياً علني بوساطتها: لا أبتعد كثيراً عن الموضوعية التي من المعلوم بأنها لا تعني : الحياد التام.. وإنما التزام المنهج العلمي بالنقد لبيان : الإيجابيات والسلبيات دون تبني..
إلا أن ذلك لا يحول دون إبداء الرأي..
وبمعنى آخر : ليس بالضرورة أن يغيب الميل: ولكن المفروض ألا يختل الميل بالمبالغة.. أو الإلغاء .
البدايات :
كانت البداية: أنه بعد العدول عن سوق عكاظ لسببٍ يبدو أنه معروف تقدم : مجموعة من الأدباء الرواد لصاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز حين كان رحمه الله : رئيساً عاماً لرعاية الشباب.. تقدموا بطلبٍ تضمن : رغبتهم في منابر ثقافية دائمة.. فاستجاب لطلبهم الذي برفعه للمقام السامي وافق.. فتشكلت لدراسة هذا الطلب لجنة برئاسة سمو الأمير فيصل.. وأذكر من بين أعضائها : معالي الدكتور: غازي القصيبي رحمه الله.. والأستاذ الدكتور منصور الحازمي التي أسفرت دراستها عن أنديةٍ أدبية ثقافية تتمتع بشخصيةٍ اعتبارية أهلية تديرها : مجالس إدارة منتخبة من جمعيات عمومية كل أربع سنوات.
كانت مجالس إدارتها في سنيها الاثنتي عشرة الأولى من عمرها لثلاث دورات: منتخبة من جمعيات عمومية في المناطق التي تقرر إقامة أندية فيها توافرت في أعضائها : الشروط المنصوص عليها بالنظام العام للأندية الأدبية.. وكانوا من الأدباء والكُتاب المعروفين.. وفي مقدمتهم : رواد.. وقامات فكرية وأدبية.. وأكاديميون وتربويون مرموقون.. حيث أُنتخب: معظم هؤلاء الرواد والقامات أعضاء في مجالس الإدارة.. زاملهم فيها : فاعلون من أساتذة الأجناس الأدبية في الجامعات.. وبعض المشهود لهم بالعلم والفضل.. والأدباء والكُتاب المعروفين.. وكان بعضهم حينها : شباباً نشطاء وأعين .
كان أكثر أعضاء هذه المجالس بكافة الأندية من الذين اكتسبوا خبراتٍ : إدارية ومالية : وبعض ما يُتخذ من الإجراءات المطلوب اتخلذها في القطاعين: العام والخاص.. وبعضهم : ظلوا في العديد من النوادي الأدبية: إما أعضاء في المجالس.. والجمعيات العمومية.. وإما مستشارين.. وإما متعاونين إلى أن حان : وقت إلحاق الثقافة بوزارة الإعلام.. رحم الله الراحلين.. ومد بعمر الأحياء .
تزامن قيام الأندية مع الطفرة التي شهدتها: البلاد منتصف العقد السابع من القرن العشرين الميلادي.. وما بعده ببضع سنين التي غيرت كثيراً من إيقاع الحياة.. وأشكال الحركة في أثنائها : انصرف جُل أفراد المجتمع عن كل ما فيه المصلحة العامة.. وذلك بالسعي المحموم خلف : الربح المريح.. فصعد كثيرون من محدثي النعمة.. وأكثرهم : بنقصهم الوعي بالمسئولية الوطنية.. وقد توارى آخرون.. ولكن معظم الذين نفختهم الطفرة سرعان ما تورطوا بقضايا غير مشروعة.. فكان مصيرهم : إما السجن.. وإما الإفلاس.. ولكنها على أي حال كانت فترة تخللتها: تجربة قد ينتفع من رصد سلبياتها .
النظام العام :
قد يُعاب عليه عدم إعطائه المرأة : حقها بدخول مجلس الإدارة.. ولكنها لم تغب عن مناشط الأندية : مستمعة ومداخلة.. ومحاضرة وشاعرة.. وقاصة ومحاورة.. وكاتبة في مجلاتها ودورياتها.. ومؤلفة ومُحكمة.. ومستشارة ومُنسقة بزمنٍ كانت ظروفه مختلفة.. ومعطياته لم تكن قد بلغت ما بلغته اليوم .
ومما يؤخذ عليه : أنه لم يراع الأحجام الروحية والسياسية.. والجغرافية والديُمغرافية بين المدن والمناطق.. فمثلاً : منطقة الرياض رغم كونها أكبر المناطق مساحةً.. وأكثرها سكاناً.. وتقع فيها : عاصمة البلاد لم تُمثل إلا بناد واحد.. وكذلك : مساواتها في الإعانات.. فمدن مثل : مكة والمدينة.. والرياض وجدة : مدن كبرى في المعايير العالمية.. ولعل واضعي هذا النظام قصدوا من ذلك : عدم إثارة الحساسيات.. وبنظري.. فإن مراعاة الأحجام : ضرورة معمول بها في كل أنحاء العالم.. ولكنه على ما يبدو عدا هذين المآخذين كان متسقاً بنسبةٍ جيدة مع ما كانت تستدعيه : الأوضاع حينذاك.
لقد عين النظام : الأهداف.. والشروط والصلاحيات.. ونوعية المشاركات الداخلية والخارجية.. ومنح الأندية : حرية التنسيق.. والتعاون بينها.. وبين مختلف الكيانات الشقيقة والصديقة.. ودعوة من تراه مناسباً في أي مكان.. والمجالس إدارتها حق : إقامة معارض الكتب.. والأسابيع الثقافية.. والدورات المختلفة.. وتلبية الدعوات.. وإصدار اللوائح التي تنظم شؤونها.. والدوريات والمجالات.. وشراء وبيع الكتب.. وترجمة إصداراتها إلى اللغات الأجنبية.. وهذه للعربية.. والاشتراك في أي إصدار ثقافي بالعالم من أي مكان.. وبأية لغة.. كل نادٍ بحسب إمكاناته.. وقد أعطاها النظام : رقابة مطبوعاتها دون الرجوع للجهة المختصة بوزارة الإعلام .
مصادر الدخل:
أبصر واضعو نظام الأندية : طبيعة الثقافة.. وماهيتها من البداية بأن الأندية الأدبية : أول فعل ثقافي خارج التعليم بشرعية رسمية وشعبية بمأسسةٍ أهليةٍ وفق نظام رحابته محفوظة بالمسؤولية.. ولا يضيق سريعاً بالمتغيرات.. فتمتعت به الأندية بشخصيةٍ اعتبارية رفعت عنها : العوائق الإدارية والمالية.. لأنه تقرر أن تكون المساعدات المالية الحكومية بموجب هذا النظام للأندية على شكل : إعانات لا ميزانية بهدف تسهيل صرف النادي على نشاطاتها من غير تعقيد.. أو تأخير ما دام في الأوجه المحددة.. ولم يحدث على مدى مسؤوليتي عن الإدارة العامة للأندية الأدبية : أن حدثت مخالفة استدعت: مساءلة.. أو رفعت شكوى عن الذمة المالية في الأندية .
كان عدد الأندية عند البدء : سبعة.. وقبيل انتقالها لوزارة الإعلام : بلغ عددها ستة عشر.. علماً بأن الإعانة ابتدأت بمئتين وخمسين ألف ريال.. وقد زامن ذلك : الطفرة.. ومن الواضح : أنه لم يكن هذا المبلغ يكفي حتى لا يجار مقرٍ مناسب.. خاصة في المدن الكبيرة حتى في مقاييس المعايير العالمية.. لكن يبدو أن هذا المبلغ : مجرد إعانة.. لأن الأندية معتبرة من الفعاليات الأهلية التي دخلها يمتد إلى التبرعات والرعايات.. واشتراكات أعضاء الجمعيات العمومية للأندية.. ومبيعاتها من الكتب.. والدوريات والمجلات التي تصدرها.. بيد أن التبرعات كانت نادرة.. والتبرعات معدومة.. واشتراكات الأعضاء برغم رمزيتها.. وسنويتها بحيث لا تؤثر على دخل العضو.. فقد يشكل المجموع للأندية : دخلاً لا بأس به.. غير أنها للأسف لا تكاد تُذكر.. وإصداراتها كان الإقبال عليها في غاية الضعف.
قبيل انتقال الثقافة من رعاية الشباب إلى وزارة الإعلام تراوحت الإعانة الحكومية السنوية الدائمة بين : المليون.. والمليون والنصف.. وقد تصل إلى المليونين في حالات قليلة إن بقدر: كم.. وكيف كل نادٍ في نشاطه.. أو حاجته للزيادة لترميم المبنى.. أو أن أحد الأندية : شرع ببناء مقرٍ له على الأرض الممنوحة له من الدولة بعد تكفل شخص ما : التبرع بالبناء.. ولكنه إما يدفع مبلغاً.. ويعد بدفع الباقي.. ولا يفي بوعده.. وإما وعد.. ولم يف ويدفع.. وأثناء ما كنتُ مديراً عاماً للأندية : حدث أكثر من مرة.. فيضطر النادي الذي لا يكفيه المبلغ المتبرع به.. أو الموعود به.. ولم يف من وعد بوعده.
فيضطر أحد الأندية التي مرت بحالة من هذه الحالات حتى لا يتوقف البناء إلى الاقتراض من البنوك لإتمامه.. فتزداد في هذه الحالة : اعانته.