نادية السالمي
ما تورطت الإنسانية بالفقر كما تورطت بالقلوب المتخشبة، ولا اتضحت صور الإنسانية المزورة بهذا الكم الهائل كما اتضحت اليوم، وبات من السهل تمحيص الصادق من الكاذب بين المنظمات الحقوقية والأفراد في عصر تعقدت فيه الانقسامات لتمارس الانقسام على نفسها مكونة مفاهيم سياسية ودينية واجتماعية جديدة تبني هيمنتها مستعينة بالعنف ومستهينة بآثاره. العنف الذي يواجهه العالم، صدم الجميع في الديمقراطية والإنسانية ما أثار حفيظة الباحثين والمفكرين لدراسته والبحث عن بواعثه في النفس الإنسانية، وأثره على أريحية مفهوم الحقوق و الديمقراطية في ضمير المؤسسات الحقوقية، وأفرادها، قبل شعوب العالم.
وحتى يكون عالمنا الإسلامي على علم سحق طفل بالدبابة وحرق شاب بالنار حتى الموت ليست أول المشاهد الجارحة للعين المبكية للقلب التي يتبادلها أبناؤه، ولن تكون الأخيرة طالما أن أصدقاء العنف من الحشد الشعبي، أو من داعش أصروا على ترويج وحشيتهم للعالم باسم النصرة للحسين والتقرب لآل رسول الله، أو كما يزعم إخوتهم في الانحطاط أنها تطبيق لحدود الله.
التشبث بالعنف والسعادة باجتراره، وافشاء الكراهية هو أسلوب حياة لهم، مايعني أننا في دوامة من حقبة تأريخية تغلق سابقتها لتفتح جديدة تؤرخ للعنف وتفخر به، ولا بد أن ينالنا من عذاباتها ولابد أن نعد من ضحاياها.
مشجب الأسباب _وإن أنصفتُ الأعذار _ التي يفصلها أصحابها كل بحسب تخصصه أو هدفه بائسة، ولن تصمد ما تحرك الوعي وألقى بنوره على العقول المغلقة، فلا هرمون التسترون المرتفع لدى المجرمين، ولا تحريض أصحاب العمائم على اختلاف الوانها، ولا حبر الكتب على تباين عمرها، ولا تاريخ القهر الاجتماعي، فهذه الأسباب مهما تعاظمت في نظري ليست رئيسية لسبب.. ما في الوجود إنسان سوي _بلا مرض عقلي أو نفسي_ يصدق أن الله يأمر بإزهاق الروح بهكذا لعب وتشفي، ويفرح بهكذا تقرب لمرضاته، وما من عبد يصدق أن له ربًا بقلب الوحش الضارية، إنما إغفال هؤلاء لعقولهم مبني على عته متعمد، استغله المحرض، ليرسم لهم استغفالا يليق بعتههم الممارس ليس على البشر فحسب، بل مع رب البشر فالله في ذهنية هؤلاء مغفل لا يعلم بدوافعهم وحقيقة إيمانهم، وأول إرهابهم بدأ بانهيار قيمهم الأخلاقية فبات من السهل اقناعهم بالكذب على الله لقتل الناس باسم الله.
وهؤلاء تعدى حقدهم على الإنسان إلى كفرهم بإنسانيتهم وإنسانية المعذب بوحشيتهم وهو تحت أيدهم. يشير تعريف القانون الجنائي للإرهاب بأنه تلك الأفعال العنيفة التي تهدف إلى خلق إجواء من الخوف ويكون موجها ضد أتباع دين أو سياسة معينة أو هدف أيديولوجي وفيه استهداف متعمد أو تجاهل سلامة غير المدنيين» وليعذرني القانون الجنائي فتعريف الإرهاب يجب أن يتحوّل إلى أنه اندثار الأخلاق فاندثارها بداية الإرهاب الذي تواجهه ا?نسانية اليوم وكل يوم قادم، فمن يحترم إنسانيته، ويعرف قدر ربه، ويوقر وطنه لن يصل إلى هذا المستوى من مسخه من إنسان إلى حيوان.