د. سلطان سعد القحطاني
تحدثنا فيما سبق عن الصحف التي ورثت سابقاتها من العهد الهاشمي، وفي مقدمتها، صحيفة أم القرى، وريثة القبلة الهاشمية، وتعتبر القبلة الصحيفة الرسمية إلى أن الملك عبد العزيز - بحكمته النافذة - أراد أن تستفيد الدولة الفتية من خبرات الرجال الذين سبقوها في جميع المجالات، فأعطي الشيخ محمد صالح نصيف امتياز صحيفة (صوت الحجاز) التي ورثت صحيفة (بريد الحجاز) وكان نصيف رئيس تحريرها في عهد الهاشميين، وقد أشرت إلى ذلك من قبل، وصدر العدد الأول منها في 4إبريل1932، أي قبل مسمى المملكة العربية السعودية بخمسة أشهر، حتى تحول مسماها إلى (البلاد السعودية) وكانت منارة للتنوير، بدءاً برئيس تحريرها الأستاذ الشاعر عبد الوهاب آشي، وانتهاءً بأصغر كاتب فيها، وكتب فيها كبار الكتاب، وعلى رأسهم محمد حسن عواد، في مقالاته النقدية الشديدة، وكانت الزاد الثقافي التنويري، بما يثار فيها من مقالات يتلقفها القارئ بنهم شديد، وقد حققت ما لم تحققه الكتب التي نشرت قبلها وفي زمانها، ووجد الباحثون أن النقد قد تأسس انطلاقاً من مقالات هذه الصحيفة أولاً(21) مثل: كتاب المعرض، وغيره، مع تقديرنا لكل الكتب التي صدرت في مكة المكرمة بجهود الأدباء وعلى رأسهم الأستاذ محمد سرور الصبان، الذي شجع الشعراء والأدباء، ونشر نتاجهم في تلك الكتب، لكنها كتب لم تغن في مجال التطوير والتنوير عن الصحف التي يكتب فيها الأدباء أفكارهم ونقدهم للأوضاع والمشكلات التي تدور في مجتمعهم، وقد رأى بعض الباحثين والنقاد أن التلقي كان من نصيب الصحف لقربها من المتلقي (22) وكان التنوير قد بدأ مع هذه الصحافة بفضل ثقافة محرريها الذين كانوا يحرصون على ما يقدمونه للمتلقي من معلومة ثقافية لتنويره في شتى المجالات، فكتب كثير منهم في النقد الأدبي ، وآخرون في الشؤون العامة، كالاقتصاد والفكر والبترول والتعليم والتجديد (23) وكان بعض الناس يظن أن الشعب على فقره وقلة المدارس جاهل للدرجة التي يظنها، ولكن عندما ظهرت الصحافة، وتولاها أصحاب الفكر المستنير اكتشفوا أن المواطن ليس بتلك السذاجة التي يتصورها كثير من الناس، فعندما أصدر عبد الكريم الجهيمان صحيفة أخبار الظهران، وكتب فيها عدداً من المقالات التي تطالب بالتعليم والتنوير ونحارب التقليد الجامد، توالت عليها المقالات من عمال أرامكو، الذين يظن بعض الناس أنهم مجرد عمال أميون (24) وكان الجهيمان قد تلقى رسالة من أحد المواطنينيطالب فيها بتعليم الفتاة، ونشرها الجهيمان باسم (محمد عبد الله) وسُئل الجهيمان عن محمد عبد الله، فلم يعرفه!!!!، وعلى أثرها أغلقت الصحيفة، وكانت خسارة على الثقافة, وكان قرار السماح بالصحافة قد منح عدداً من المثقفين التنويريين إصدار صحف ومجلات، ومنهم يوسف الشيخ يعقوب من الجبيل، أصدر صحيفة الفجر الجديد، التي لم تعمر أكثر من ثلاثة أعداد (25) ولم يستمر من الصحف والمجلات كثير مما صُرح به، وكان توقف تلك الصحف والمجلات لأسباب أغلبها غير معروف، فقد أصدر عبد الله الشباط مجلة الخليج العربي في الأحساء، ثم توقفت بعد خمسة أعداد فقط، وثم عاود إصدارها جريدة ثقافية في عام 1378، في الخبر بالتعاون مع محمد أحمد فقي، الذي كان يرأس تحريرها (26)، حتى توقفت مع نظام المؤسسات الصادر 1964، كما أصدر سعد البواردي مجلة الإشعاع في الخبر عام 1375، وأصدر منها23 عدداً (27)، والحقيقة أن تلك الصحف والمجلات - على قلة أعدادها وعدم انتظام كثير منها في الصدور- قد فتحت آفاقاً للمتعلمين والمثقفين والنقاد وأصحاب المواهب لنشر نتاجهم الفكري والنقدي، بجانب المناقشات والأفكار التي تطرح، وعندما صدر قرار وزير الإعلام جميل الحجيلان بإغلاق تلك الصحف وتحويل الصحافة إلى مؤسسات صحفية، قبِل بعض الملاّك بهذا الدمج في صحف أخرى، ورفض البعض الآخر هذا الدمج، واكتفوا بإيقاف صحفهم. إن هذا الدمج نوع من التأميم، كما يرى صاحب عكاظ، أحمد عبد الغفور عطار (28) ولن أتحدث عن الموانع التي منعت، كثيراً من أصحاب الصحف والمجلات من الاندماج في مؤسسات صحفية بعد الاجتماع الذي عقده وزير الإعلام جميل الحجيلان في فندق اليمامة في الرياض في الوقت نفسه، والتي تندر فيه أحمد السباعي على الوزير؛ بذكر الآية الكريمة في موضوع الطلاق، وكأنه يقول: طلقت الصحافة منذ اليوم؛ قال تعالى: {عسى ربه أن يبدله خيراً منكنّ}، وركّز على نون النسوة مما جعل القاعة تنفجر بالضحك. وتم الدمج في مؤسسات صحفية إلى اليوم، وأنشئت مؤسسات جديدة، كان البعض يعارضه والبعض يؤيِّده، ولكل فريق رأيه، أما ما نراه ففي الفصل القادم.