جاسر عبدالعزيز الجاسر
بدأت تتجسد وتتضح الآثار المدمرة لما أسموه وقت إطلاقها لتدمير الدول العربية بـ(الربيع العربي)، وما هو إلى (التخريب العربي)، هذا التخريب الذي وإن تم بأيدٍ عربية كان أصحابه في معظمهم من الشباب العربي الذي اختطفته الجهات المعادية من منظمات استخباراتية وجهات معادية للعرب والمسلمين.
هذا القول ليس ادعاءً ولا تهويلاً فبعد الكشف عن معاهد التدريب التي أقيمت في دول أوروبا الشرقية وأرسل إليها بعض الشبان العرب لتدريبهم على إثارة الفوضى وإشعال الاضطرابات وإعادتهم إلى بلدانهم مع توفير الدعم السياسي والاستخباراتي والمالي لهم من قبل الجمعيات والهيئات الأمريكية والسفارات الأمريكية وهو ما كشفته (الإيميلات) الخاصة بالسيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة ومرشحة الرئاسة السابقة.
اجتاحت فوضى (التخريب العربي) عددًا من الدول العربية، وكان مخطط أن تشمل الفوضى أعدادًا أخرى من الدول العربية إضافة إلى تونس ومصر وسوريا وليبيا واليمن، إلا أن الله أنجاها نتيجة يقظة قياداتها وتضامن مجتمعاتها وأهلها.
جميعنا تابعنا ما حصل في بلدان (التخريب العربي) وكيف توالت النكبات على تلك الدول التي لا تزال تعيش واقعًا مريرًا ومؤلمًا شمل كافة النواحي، إلا أن الأكثر إيلامًا وخسارة الذي يحتاج إلى عقود من الزمن لإصلاحه هو ما تعرض له أطفال العرب، فهذه الشريحة والفئة التي تبني عليها جميع الشعوب والمجتمعات الآمال وتنتظر منها إسهامًا عاليًا لتحسين أوضاع الأمة، نالها كثير من التشويه التربوي والأخلاقي والنفسي فضلاً عن التدمير الصحي والجسدي إضافة إلى مقتل عديد من هؤلاء الأطفال وبعضهم تعرض للتشريد والضياع والغرق في مياه البحار عند مصاحبتهم لعوائلهم في رحلة الهرب من بلدانهم بعد أن تحولت أراضيهم إلى محارق نالت وشوّهت براءتهم.
هؤلاء الأطفال وبالذات في اليمن وسوريا والعراق وليبيا تعرضوا إلى ضغوط نفسية وجسدية وحتى وجودية تهدد بقائهم على قيد الحياة أو العيش مدمرين نفسيًا، إِذ فقد عديد من الأطفال وخصوصًا السوريين أسرهم في رحلة الهروب من بلدهم وهناك كثير من الأطفال في عديد من الدول الأوروبية ولبنان والأردن من دون أسر بعد أن فقدوا آباءهم وأمهاتهم. بعض من هؤلاء وخصوصًا في بعض الدول الأوروبية أدخلوا مراكز إيواء خاصة ستتكفل بإعدادهم وتربيتهم وطبيعي سيكونون خارج الثقافة والتربية الإسلامية والعربية، وهم على الأقل أفضل من غيرهم الذين أصبحوا معرضين للاستغلال من المتاجرين بالبشر الذين يجندون الأطفال للقتال أو للعمل في المهن التي لا تناسب أعمارهم وأجسادهم، والأفظع من ذلك استغلال الأطفال في التجارة بالأعضاء البشرية، إِذ كثير من الأطفال تعرضوا لانتزاع كلاهم وبعضهم انتزعت قلوبهم بعد قتلهم، وهذا يتم في أكثر من بلد والضحايا هم أطفال العرب الذين نالهم أكثر مما تتحمل أجسادهم النحيلة وأعمارهم الغضة، وسوف يشب من ينجح في البقاء على الحياة مشوهًا نفسيًا وسلوكيًا مما سيحول عديد منهم إلى شباب عنيف ويزيد من احتمال اتساع درجة الإجرام والانحراف السلوكي، فضلاً عن امتهان عديد من الأطفال مهنة القتال التي تعلموها بعد تجنيدهم في الميليشيات التي استغلتهم رغمًا عن أسرهم كما هو حاصل في اليمن.
وهكذا أفرزت ثورات التخريب العربي جيلاً كبيرًا من أطفال اليوم الذين سيكونون شباب الغد.. شبابًا عنيفًا، مشوهًا نفسيًا وسلوكيًا وهذا الناتج أكبر خسائر العرب من التخريب الذي استهدفهم به أعداؤهم.