فهد بن جليد
مسيرة الطلاب التقليدية أثناء حفل التخرج في أي جامعة هي من اللحظات التاريخية التي تبقى عالقة في أذهانهم، لذا لم يغب مثل هذا العُرف الأكاديمي عن حفل تخريجي الـ114 نزيلاً في سجن المباحث العامة بالحائر..
برأيي أن هذه (لفتة راقية) لها قيمتها وانعكاسها بكل تأكيد على حياة هؤلاء الخريجين، الذين تلمح في أعينهم أثناء المسيرة بريق سعادة وأمل، وهم يقطفون ثمرة جهدهم، بمُشاركة أهلهم وذويهم في هذه اليوم التاريخي في حياتهم، وتلك قصة أخرى تعكس مدى الإنسانية والرقي في تعامل المباحث العامة مع النزلاء بعد أن مُنحوا فُرصة إكمال تعليمهم الجامعي عن بعد، إيماناً بدور التعليم في استصلاح النزيل وتبصيره في أمور دينه ودنياه، مُستفيداً من تسهيلات التجربة الفريدة التي تقدمها وزارة الداخلية، لمُساندة النزيل على العودة كعضو فاعل في المُجتمع، من خلال إطلاق الكثير من البرامج الإصلاحية داخل السجن كبرنامج إدارة الوقت الذي كان له أثر كبير في حياة هؤلاء النزلاء، وبشهادتهم.
بل إنَّ المشهد المهيب بعد انتهاء مراسم الحفل كان مُشابهاً لما يحدث في قاعات الاحتفال بالجامعات (خارج السجن)، بفرحة احتضان الآباء والإخوان لابنهم المُتخرج، ومُعانقته وتهنئته وهو يرتدي (بشت التخرج) بعد أن أنهى كُل المُتطلبات الدراسية، وحصل على شهادته العلمية من أجل الانفتاح على الحياة بتفاؤل وأمل أكبر..
صوت والدة أحد الخريجين وهي تُلقي كلمة الأهالي، كان مؤثراً واختصر الكثير من مشاعر الشكر والثناء على هذه اللفتة الإنسانية، عندما قالت إنه لم يدر ببالها مُجرد تفكير بأن ابنها الذي ظنت أنها فقدته، سيتخرج في تخصص الاقتصاد من جامعة عريقة، فضلاً عن مُشاركتها له عرس تخرجه، فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل، مؤكدة أن ابنها أصبح أقوى وأكثر إقبالاً على الحياة بعد أن صححت الدراسة مسار حياته..
أي نجاح واستصلاح أكثر من هذا؟ فقد قدمت المباحث العامة أسمى وأرقى معاني الإصلاح، بدرس نموذجي رائع لكيفية رعاية الموقوف والنزيل داخل السجن، ومنحه منصة جديدة يُطل من خلالها بكل ثقة على نافذة الحياة، ليرى المشهد كاملاً بعين سليمة صحيحة، وقد تسلَّح بالعلم والمعرفة..
يتبع غداً
وعلى دروب الخير نلتقي.