د. محمد عبدالعزيز الصالح
على الرغم من كثرة القرارات الحكومية المنظمة للسعودة التي صدرت من مختلف المستويات في الدولة على امتداد ثلاثة عقود زمنية، وعلى الرغم من كثافة ورش العمل والندوات والمؤتمرات التي نظمتها وزارة العمل والمؤكدة على أهمية السعودة، وعلى الرغم من تعدد الأبعاد الاستراتيجية الاقتصادية والأمنية والاجتماعية المترتبة على تطبيق قرارات السعودة، على الرغم من كل ذلك، إلا أننا لا نزال نلحظ تواجد عشرات بل مئات الآلاف من العمالة الأجنبية وسيطرتهم على الكثير من فرص العمل المنتشرة في أسواق المملكة، وذلك على حساب العمالة السعودية المؤهلة من الجنسين.
المؤلم في الأمر أننا نلحظ من وقت إلى آخر ظهور بعض رجال الأعمال في وسائل الإعلام ملقين كامل اللوم على مؤسسات التعليم العالي ومتهمينها بأنها لا تأخذ في الاعتبار المتغيرات في سوق العمل، وأن التخصصات التي تدرّس في الجامعات لا تناسب حاجة السوق.
أيضاً المؤلم في الأمر أن هذا الاتهام للجامعات يأتي من قبل بعض كبار رجال الأعمال في المملكة، وكأنهم يحثون رجال الأعمال في المملكة على عدم توظيف شبابنا وبناتنا خريجي الجامعات لعدم قناعتهم بكفاءتهم ولا بالتخصصات التي درسوها، كما يعني ذلك تفضيلهم للعمالة الوافدة لرخص تكلفتها فقط على الرغم من عدم حملها لأي نوع من المؤهلات أو التدريب.
في ظني أنه كان لزاماً على أمثال هؤلاء التجار أن يطلعوا على الكثير من المستجدات الهيكلية والمنهجية التي شهدتها الجامعات السعودية خلال السنوات الماضية، فهل يعلم هؤلاء التجار بأن عدد الجامعات السعودية ارتفع من سبع جامعات إلى تسع وثلاثين جامعة (28 حكومية (11) أهلية)، وذلك خلال العشر أو الخمس عشرة سنة الماضية، وهل يعلم هؤلاء التجار بأن عدد الكليات الجديدة التي أنشأها مجلس التعليم العالي خلال تلك الفترة يفوق الخمسمائة كلية، تتركز جميع التخصصات التي يتم تدريسها فيها على احتياجات سوق العمل.
وهل يعلم هؤلاء التجار بأن الجامعات كافة في المملكة قد تم إعادة هيكلتها خلال العشر سنوات الماضية لتكون مخرجاتها متوائمة مع احتياجات سوق العمل، وهل يعلمون بأن الكليات والأقسام العلمية بالجامعات تقوم بالتنسيق مع وزارة العمل قبل اعتماد أي خطة أو منهجية لتلك الأقسام والكليات للتأكد من تلبيتها لحاجة السوق، وهل يعلمون بأن وزير العمل عضو في مجلس التعليم العالي وأنه يوافق على إنشاء أي كليات أو تخصصات جديدة ما لم تكن ملبية لحاجة سوق العمل.
وهل يعلمون بأن هناك لجنة تم إنشاؤها منذ عدة سنوات في مجلس التعليم العالي ممثلة بوكلاء الوزارات الأعضاء في المجلس يدخل في عضويتها وكيل وزارة العمل، وأن مهمة هذه اللجنة التأكد من حاجة سوق العمل لأي كلية أو تخصص جديد.
وهل يعلم هؤلاء التجار بأن الجامعات السعودية بدأت خلال السنوات القليلة الماضية بإدراج السنة التحضيرية لجميع طلبة الجامعات، حيث يدرّس فيها ما يحتاج إليه سوق العمل من لغات أجنبية ومهارات الحاسب ومواد عن أخلاقيات العمل.
وهل يعلمون بأن العشر سنوات الماضية شهدت إنشاء نحو عشر جامعات أهلية وأكثر من أربعين كلية أهلية جميعها تقدم برامج وتخصصات تتواءم مع حاجة السوق.
وهل يعلمون بأن الدولة -حفظها الله- ابتعثت خلال العشر سنوات الماضية أكثر من مائتي ألف مبتعث ومبتعثه للخارج جميعهم في تخصصات يحتاج إليها السوق، وسنرى إن كان هؤلاء التجار سيتيحون الفرصة لأبناء وبنات الوطن بالعمل لديهم أم أن استمرار توظيف العمالة الأجنبية الرخيصة والأقل تكلفة سيكون هو المسيطر عليهم.