فهد بن جليد
يقول صديقي أنَّه تعلّم من أناقة عامل القهوة (العربي العجوز) في مكتبه ما لم يتعلّمه أثناء ابتعاثه للخارج من فنون الإتيكيت، رغم أنَّ العامل البسيط لا يلبس هنداماً ولا يُنسِّق ألواناً تُميِّزه عن غيره، ولكنه يردد عبارات مع كل صباح تعكس مدى طمأنينيته وتفاؤله رغم شظف العيش، وتصالحه مع نفسه ومع الآخرين، مما أكسبه حُب من حوله.
كثرة المال، وعلو المنصب والمكانة الرفيعة، قد تجلب أناقة الثياب والملبَس والمركَب، ولكنها حتماً لن تضمن وحدها (أناقة النفس) التي لا علاقة لها بالغنا والفقر، فكم من غني مُتجهِّم عابس ينفُر الناس من سلبيته؟ وكم من فقير بشوش ينشر السعادة بحسن معشره وإيجابيته؟ ولعلنا نذكر هنا فيديو سجله شاب سعودي - قبل سنتين - يسأل أحد العمال عن أحواله؟ فكان الرد الشغل الشاغل لوسائل التواصل الاجتماعي حينها عندما قال العامل بكل قناعة ورضا شاكراً ربه (في زحام من النعم)، وهي برأيي أولى مُحددات (الأناقة النفسية) التي فقدها مُعظمنا.
الطمأنينة، الهدوء، البشاشة، التفاؤل، الإيجابية، إتقان فن الحوار بلباقة المُفردات، الصبر، الصدق، الاستقرار بثبات المزاج وعدم تقلبه، وغيرها من السِّمات والصفات الجميلة هي ما تُحدد (الأناقة النفسية) التي نحتاجها عند التعامل مع غيرنا، وهذه المهارات لا تُكتسب بالدراجات العلمية ولا يمكن تعلمها في المدارس وحدها، بل هي خليط من التجربة الحياتية، والتربية، والفهم والتعود.
الخوف من المُستقبل مع مُتغيِّرات الحياة هو أكثر ما يشغل بال وتفكير الأغنياء قبل الفقراء، وهو ما يحرم الإنسان من الاستمتاع باللحظة التي يعيشها، لذا لن تتصالح مع نفسك ولن تكون روحك أنيقة ما دمت تعيش لتفكر بمآسي وأخطاء الأمس، وتخشى سراب الغد.
تجاوز آلام ما مضى، وأرسم ملامح وخطط ما بقي، وعش جميع تفاصيل يومك بتفاؤل وقناعة، تجد نفسك سعيداً، على الأقل هذا ما ينصح به علماء النفس، وسرُّ سعادة وأناقة أصحاب التجارب (كصاحب القهوة) أعلاه.
وعلى دروب الخير نلتقي.