د. حمزة السالم
برنامج الرهن الميسر مسوق على أنه منتج هدفه تيسير الاقتراض التمويلي عن طريق تذليل عقبة الدفعة المقدمة 30 %. وهذه الدفعة تشكِّل نسبة الملكية للمقترض في الأصل equity أمام الدين، ولتصبح كرهن للممول، يقع النقص فيها عند التعثر وبيع الأصل.
ولو نظرنا بعمق لمنتج الرهن الميسر فسنرى أنه مجرد مصادمة بين قرارات الجهات الرسمية، بعضها ينقض بعض على حساب هدر مال الدولة لصالح البنوك. ثم بعد هذا كله سيكون سببًا لرفع سعر العقار والفوائد التمويلية؛ ما سيزيد من تحقيق المخاطرة التي من أجلها وضعت مؤسسة النقد الدفعة المقدمة.
ورغم تأييدي لمؤسسة النقد في هذا الشرط في الوقت الحاضر لعدم استقرار السوق إلا أنني مؤيد كذلك في توفير تنظيم يوفر ضمانات تمكِّن العاجز عن توفير الدفعة المقدمة من الحصول على التمويل بدفعة مقدمة أقل. فكما أني لا أؤيد أي نوع من الرسوم أو الضرائب إلا في حالات التنظيم، كضريبة الأراضي أو كالدفعة المقدمة، فأنا لا أؤيد إعانة إسراف تضرُّ بالمواطن نفسه، قبل الدولة والمجتمع، كرفعها للأسعار أو الإسراف.
فأما تأييدي لشرط مؤسسة النقد بجعل الدفعة المقدمة 30 % فذلك لأن فيه: 1. سعة مساحة الرهن في هذا الوقت والسوق العقاري مضطرب سعريًّا. 2. وفيه كبح لجماح أسعار البيوت وكبح أيضًا لفوائد البنوك؛ لأن ارتفاع الدفعة المقدمة يقلص القدرة الشرائية للسوق مما يدفع العقاريين والبنوك لتخفيض كلفة شراء المنزل والتمويلات.
فالرهن الميسر عبارة عن إعانة، فيها مجال للإسراف. ففي المنتج تحفيز للشاري بعدم دفع الدفعة الإلزامية ولو كان يملك ثمنها؛ لأن الإعانة تغطيه على كل حال. فهذا إسراف في الإعانة يدفع للضرر. والضرر هو تحفيز يدفع المتمول لشراء بيت أكبر من حاجته مثلاً نظرًا لتوافر دفعة مقدمة أكبر، أو حتى يقوده فقط لعدم دفعها ما دامت أنها ليست ملزمة مما يأتي بنتائج عكسية من ضمان الرهن، وذلك بتكبير دائرة المخاطرة بلا داعٍ.
وأما تأييدي لضمان الدفعة المقدمة لتيسير التمويل فهو بشرط أن يكون نوعًا من التنظيم، لا الإعانة؛ فهو إذًا تأييد ليس مطلقًا. والأمثلة كثيرة، وقد سبق لي أن قدمت حلولاً عدة لها. فمثلاً: يكون المنتج على شكل منتج تأمين، يعتمد على المساهمة الجماعية من المقترضين، أي نوعًا من مفهوم التأمين التعاوني. فما يتطلب مثلاً من الدولة خمسة مليارات ريال كلفة لضمانه بفرض نسبة 5 % تعثرًا أو إفلاسًا يمكن تحقيقه بأن يدفع المواطن الراغب في الضمان 25 ريالاً شهريًّا فقط مقابل إعفائه من 15 % من الدفعة المقدمة. وهذه الـ25 ريالاً لن تكون كلفة على المواطن؛ لأن روح الدفعة المقدمة بـ30 % مع عدم شطبها تمامًا يلقي بظلاله على السوق التمويلية والعقارية مما سيؤدي إلى تخفيض الأسعار بما يغطي الـ25 ريالاً بمرات عدة.
ومنتج مثلا كهذا ينظم ضمان الدفعة المقدمة، لا ينقض قرار المؤسسة بإعانة إسرافية، فيه فوائد أخرى غير التي ذكرت سابقًا، منها: 1. أن ليس فيه أي كلفة على الدولة. 2. إن آليته بسيطة، وهي رسوم تقتطع عند صرف التمويل. 3. أن ليس فيه إعانة إسراف. 4. لا يحفز المتمولين إلى عدم دفع الدفعة الأولى. 5. يدفع سعر العقار والتمويل للسعر العادل. 6. أنه مرن وعادل، فالواقع يقضي بأنه لا يلزم أن كل مواطن لا يملك إلا 15 % فقط. فهناك من يملك 20 % من قيمة المنزل، وهناك من يملك 25 %؛ فلا يدفع المحتاج للضمان إلا ما يوازي نسبة 15 % × 5 % المتبقي عليه. فهو مخير بين الدفع للدفعة أو ستحسب عليه رسوم التأمين بحسب دفعته الأولى. فكأننا بالرهن الميسر كالتي تنقض غزلها من بعد قوة أنكاثًا. فالله المستعان.