سامى اليوسف
أُعرّف المتعصب بأنه ذلك الشخص الذي يصم أُذنيّه عن سماع الحقيقة، ولا يسمع إلا صوته. التعصب هو أبو الأمراض في كل مجالات العمل، أو نواحي الحياة، يورث الأحقاد، ويزرع الكراهية والبغضاء، ويغذي العنصرية بكل أوجهها، ويأكل أفراد المجتمع كالنار تأكل بعضها بعضا. التعصب في أبشع وأقسى صوره يقود إلى التطرف، وصاحبه في كل الأحوال شخص منبوذ.
المشهد الأول: التقط الصحافي النشط، والزميل العزيز على قلبي علاء سعيد صورة لطفلين في عمر الزهور، أحدهما قد يكون في الصف الأول الابتدائي، وأخوه يكبره ربما بسنتين، يرتديان قميص الاتحاد، وهما يمسكان بلافتة طُبعت عليها صورة جماعية للاعبي العميد بمناسبة فرحتهم بالتتويج بلقب كأس ولي العهد، وذلك قبيل مواجهة الباطن، ولكن ما حزّ في نفسي كثيرًا أن اللافتة تصدرتها العبارة التالية «بطولة بجدارة غير بطولة بقذارة»، هنا نتساءل بألم وحرقة عن سبب تلويث براءة أطفالنا بسوء أحكامنا، وظنونا، وألفاظنا؟ لماذا نغذي عقول أطفالنا بالكراهية للآخر، والتشكيك فيه، وعقدة المؤامرة؟ هل من الدين والأخلاق والتربية والمسؤولية في شيء أن نبذر بذور الكراهية والحقد في نفوس أطفال أبرياء، ونربي فيهم روح البغضاء والبعد عن التسامح، ونجعل من عقولهم مرتعاً للعقد النفسية التي تفسد نظرتهم للحياة الجميلة، وتجعلها أكثر «سوداوية» وعدائية للمجتمع، وأقرانهم في المدرسة والحارة والعمل مستقبلاً؟
المشهد الثاني: كمية مقززة من السباب والشتائم يتعرض لها أفضل وأشهر معلقين في عالمنا العربي، التونسيان رؤوف خليف وعصام الشوالي عقب مباراتيّ الأهلي والعين، ثم الوحدة والهلال في الجولة الآسيوية الثالثة لا لشيء، وإنما لأنهما وصفا الهلال
بالنادي «الملكي»، هنا وصلنا إلى مرحلة تصدير ثقافة الشتم بسبب التعصب إلى الأشقاء، كما فعل قبل عدة مواسم كروية ثلة من الجماهير المتعصبة عندما أساءت، وهددت الأمين العام المساعد للجنة التنظيمية الخليجية «البحريني» ميرزا أحمد، وتعرضت بالشتائم وأقذع العبارات وسيئ الألفاظ لمحللّي قناة «الكأس» حمود سلطان وعبدالعزيز العنبري لمجرد أنهما قالا رأيهما بصراحة!
الأمثلة، وكذلك الشواهد عديدة سواء في الماضي البعيد، أو القريب، والأيام المقبلة حبلى بالمزيد ما لم تتدخل الجهات الرسمية، والأجهزة ذات العلاقة في تجفيف منابع التعصب بخطط آنية ومستقبلية.
وتتمثّل الخطط الآنية بمحاصرة منابع التعصب الرياضي، والتي تتمثّل بالمسؤول المنفلت الذي يشعل المدرجات بتصريحات انفعالية لا يعي عواقبها، وذلك المسؤول الذي لا يعدل بين الأندية في نظرته لها، وتعامله مع قضاياها، وملفاتها، وذلك الحكم الذي يبيع ضميره بسبب ميول، أو حسابات خاصة، وتلك المؤسسة الإعلامية التي تعطي جواز المرور لمشجع متعصب، وتلبسه ثوب الصحافي دونما حسيب أو رقيب، أو تأهيل، وللمسؤول الذي يفتقر للشجاعة ويجيز للشرفيين المتنفذين التدخل في نقل التنافس من الملعب إلى المكتب، والأخطر من هذا كله الالتفاتة الجادة للبرامج الرياضية الغارقة في وحل التعصب، والتي باتت مرتعاً للمرضى سواء مقدمي البرامج الذين يفتقدون للتأهيل العلمي أو التخصص الكافي، والعنصريون منهم الذين تحولوا إلى «سماسرة» واتخذوا من برامجهم «مطية» لتصفية حساباتهم، وأحقادهم، أو من حول برنامجه إلى مركز إعلامي لناديه المفضّل يصرخ فيه كـ«بوق» ينادي فيه على مصالح ناديه، أو أولئك الذين حولوا برامجهم إلى مسرح لصراع الديكة لا تسمع فيه إلا صراخاً،
وكل لفظ بذيء وخادش لمسامع المتلقي من خلال استضافة من يفتقدون للمهنية والأخلاق، ويعرضون بضاعة الشتم بوقاحة.
ويقف على رأس الخطط المستقبلية تغذية الحوار في المجتمع الرياضي بأسره، من خلال تعزيز عقد الندوات والورش لروابط الأندية، ومجالس الجمهور للتوعية والتثقيف، وسن القوانين التي تعاقب الخارجين عن النص، وكذلك تعاون الأجهزة الرسمية مع الهيئة الرياضية من جهة ووزارة التربية من جهة أخرى في تعزيز مناهج التعليم على مسألة وقيمة الحوار في المراحل الدراسية الابتدائية والمتوسطة، وهما المرحلتان اللتان تتشكّل وتتبلور فيهما شخصية الفرد، وهنا يبرز دور المدرسة الحاضنة، والذي يتوازى في أهميته وتأثيره مع دور الأسرة في التنشئة السليمة.
أخيرًا،،،
نصيحة محب: لا تخسروا دينكم، ودنياكم.. ولا تفسدوا براءة أطفالكم بسوء ظنّكم وأحكامكم، ونواياكم، وسوء ألفاظكم .. «تراها كورة».