«ليس كل ما يعرف يقال!»
هكذا علمونا في أزمنة قد خلت، وهكذا جعلوا ثقافة دثر الحقائق بالصمت تنمو وتتراكم، وهكذا أجهزوا على كل حقيقة يعرفونها ولا يودون «قولها» وجعلونا نرضى ونرتضي بجرائم الوأد لتلك الحقائق لأن كل ما يعرف، ليس شرطاً أن يقال!
لقد صنعوا لقول الحقيقة رهبة، بينما كان يفترض ألا ينمو الخوف إلا في أطراف الكذب وفي خمائله، والكثير منهم نصَّب نفسه قائداً من قادة جيوش الخوف الذين يشنون الهجمات المتلاحقة على كل من يقول الحقيقة، رغم أنه لم يفتأ يردد حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: “مازال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً“.
لقد صار الهجوم حيلتهم، كي لا يقال إلا ما تشتهي أنفسهم قوله، وصارت الخشية رفيقة القائل، سواء كان عالماً أو كاتباً أو مثقفاً أو صاحب قول «فصل» في أي مجال من مجالات الحياة، حتى تحمل الكثير إثم المسؤولية المضاعف بسبب كتم الحق، وفضله على مجابهة «المهاجمين، والمهشتقين، والمحرفين في القول!».
فصارت الكتابة بين مقدم جسور، وإن صح القول فهو متهور، وآخر ممانع خائف، محجم يكتب ما يريد (المجتمع) أن يكتبه، فكثرت النقائض، واختلط الحابل بالنابل، وانفصل الواقع عن الكلمة! في محاضرة للدكتور عبدالله الغذامي عن كتابه (الجهنية) والتي ألقاها على جمع من الناس في مكتبة الملك عبدالعزيز العامة سأله أحد الحضور: كيف تخلصت من الخوف وكتبت كل تلك الحقائق الصادمة لمجتمع تعود على الرأي الواحد، مجتمع تعود على التشابه؟!
ومن المعروف أن الدكتور عبدالله هو من القلائل الذين انبروا وتصدوا لمهمة نشر آرائهم بكل قوة حتى وإن كانت تختلف مع الرأي السائد، لقد كان الدكتور عبدالله ممن أسسوا لنشر ثقافة الاختلاف والآراء المتعددة وذلك من خلال أطروحاته ونقاشاته. أجاب الدكتور على السائل قائلاً:
تحررت من كراسي النار، المنصب واللقب، فلست أخشى عند الكتابة إلا من الله وحده!
لا أظن أن بعد ذلك القول قول آخر!
- عادل الدوسري
aaa-am26@hotmail.com
تويتر: @AaaAm26