للأقلام سوق نخاسة تباع فيه وتشترى، فيه تصبح كلماتها أسيرة لضمير مستتر، يأمرها فتطيع وينهاها فتحجم.
للأقلام التي فقدت حريتها حياة مأساوية تجعلها أسيرة لنقيضين من السلوك، الأول الاستقلالية المزيفة أمام الناس، والثانية حالة الاستعباد التي صادرت حرياتها وجعلتهم أسرى لقاعدة سمعنا وأطعنا.
هذا النوع من الأقلام يأسرها الإعلام وسطوته وأضواؤه وامتيازاته، فيصبح الوصول إلى منابع الضوء والتمتع بهالاته غاية محضة تبرر الوسيلة اللاحقة أياً كان نوعها وطريقتها.
الغاية تبرر الوسيلة.... خارطة طريق هذه الأقلام، منها تبدأ وإليها تنتهي، هي مصدر التشريع الذي تنطلق منه نشاطاتها ونتاجاتها، من قدسيتها المزعومة تحيا، وتستمد من ضبابيتها عونها وجلدها لتحقق ما تريد وما يراد لها وما تطمح إليه.
قلم يزاوج بين المتناقضات ويقفز بخفة فوق المحظورات، يعرف مكامن الخطر، فيوري تارة ويستعير تارة أخرى، وعندما تحين الفرصة ويستلم الثمن ويضمن الحصانة، يكشف عن وجه سافر يبدأ بقصف الآخرين بوابل من نيران كلماته المعدة سلفاً في مصانع تجار المبادئ والقيم الزائفة، وعندما تدور الدائرة على ما كان يؤمن به في وقت مضى، يعود إلى هوامير سوق النخاسة فيزودونه ببرامج حماية تجعله في مأمن من رأي سابق صدح به، ليعود هذه المرة برأي جديد يتماهى ورأي خزنة السوق الذين يظل رضاهم هو الوسيلة التي تحقق تلك الغاية؛ وهي البقاء ضمن دائرة الضوء وما تضمنه لهذا القلم الأجير من ثراء وسطوة وشهرة.
القلم الأجير كالمسدس، رصاصه قاتل، لكنه يظل أداة في يد نافذ يسمع ويعقل ويرى، والتاريخ يثبت أن هذا النوع من المسدسات يظل مسلوب الإرادة تكمن فائدته في مطاوعته لمستخدمه، وإن عصى أو تمرد، فأبسط عقاب يوجه إليه، أن يفرغ مخزونه من تلك الطلقات ويظل مجرد أنبوب فارغ مع الزمن يملؤه التراب والهوام والحشرات.
هذه الحالة من البطالة ترعب هذا القلم الأجير، ومجرد تخيلها يجعله عرضة للقلق والهلع والاكتئاب، وهذا يجعل البعض منهم يرتكب أخطاء كارثية تقيم الدنيا ولا تقعدها عليه.
القلم الأجير يبدأ نهاره بتتبع ما يطلبه المنتجون، ثم يحاول أن يرضي المشاهدين، فطلباتهم أيضاً لها نصيب من اهتماماته فلا مانع من تلبيتها، لأنها وببساطة شديدة تسمح له مستقبلاً بتمرير الشاذ من الأفكار متكئاً على مصداقية خداعة سابقة صنعتها استراتيجية صناعة ما يطلبه المشاهدون.
وبين رضا الفريقين تحضر أطماعه ونزواته التوسعية على حساب الحقائق والقيم والمبادئ، فكلها تصبح أمام تلك الغايات أشياء هلامية لا تشكل له أدنى قيمة، مجرد كلمات مسجلة في قاموسه اللغوي تحضر في المناسبات عند اللزوم فقط،
وتصبح نجاحاته ظاهرة وتصبح سيرته مثلاً يحتذي بها الذين يريدون الانعتاق من حريتهم والدخول في دائرة الاستعباد معززين مكرمين أمام العامة، لكنهم في الواقع مسلوبو الإرادة، والإدارة مجرد سلع تباع وتشترى، في سوق نخاسة، البقاء فيه للأكثر تعرياً وانسلاخاً من الثوابت والأعراف والقيم.
- علي المطوع