-1-
استطاعت الدول المتقدمة أو المسكونة بهاجس النهضة الخروج بفعل الترفيه من الدائرتين الفردية والبدائية إلى دائرة الصناعة؛ فأضحى الترفيه بفضل هذه النقلة المهمة يدًا من أيادي الاقتصاد، وإحدى أهم القنوات الفاعلة أو المساندة في مجالات (السياحة) و(الصحة) و(التعليم)، واستخدمته المجتمعات المتقدمة أداة من أدوات التثقيف والتنوير، ومررت من خلاله رسائل داخلية وخارجية على درجة كبيرة من الأهمية.. وكل ما سبق أسهم في إنعاش الاقتصاد، وتوسيع فرص الاستثمار، وتنويع فرص العمل، وتغيير صورة المجتمع أمام نفسه وأمام الآخر. لذلك ارتبط الترفيه (مباشرة أو ضمنًا) بكثير من المفاهيم المهمة، كالتنمية، والنهضة، والمدنية، والتنمية البشرية، وجودة الحياة.. وأي رؤية تجتزئه من تطبيقات هذه المفاهيم تلقي ظلالاً سلبية على المفهوم نفسه، وليس على الترفيه وحسب.
-2-
ولا يختلف اثنان في أن الترفيه في المجتمع السعودي يعاني منذ زمن طويل، وقد أفرز غيابه (المؤسسي) الكثير من المشكلات الفردية والمجتمعية. ولكي نعالج هذه الجزئية معالجة عميقة يجب أن نحسم ابتداء النقاط الآتية:
1 - المواقف الفقهية التي تتحفظ على كثير من صور الترفيه الحديثة، وكان تحفظها - وما زال - سببًا في التخوف الذي يشعر به المستثمرون في هذا الحقل. ولا يستطيع أحد إنكار حجم الممانعة التي تعرضت لها مشروعات المدن الترفيهية في عدد من مناطق المملكة قبل ثلاثة عقود رغم التزام ملاكها بمنع الاختلاط والموسيقى والسينما وغيرها..
لذلك يجب ابتداء أن تسعى الهيئة العامة للترفيه إلى تأمين مشروعاتها وبرامجها من خلال التواصل المباشر والمعلن مع مؤسسات: (الإعلام) و(التعليم ممثلاً في الجامعات تحديدًا) و(الفتوى) و(الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)؛ لخلق مناخ فكري وثقافي يساند فعل الترفيه، ولا يكتفي بالكف عن خذلانه!
2 - وضع أو تطوير أو تفعيل القوانين التي تحمي مشروعات وبرامج الترفيه من العبث، مثل: نظام مكافحة التحرش والابتزاز، ونظام حماية المرافق العامة، إضافة إلى أنظمة أو تنظيمات أخرى، تكون قادرة على حماية المستثمر من تجاوز المؤسسات الحكومية، أو تعسف بعض منسوبيها.
3 - تأهيل المدن القابلة للسياحة الصيفية، والتواصل مع المؤسسات الأخرى بشأن تأمين بنيتها التحتية، وقدراتها الأمنية والصحية، والعمل على منحها استثناء خاصًّا في إقامة المهرجانات والاحتفالات دون الحاجة إلى المشوار الطويل للحصول على التراخيص اللازمة!
4 - بناء خطة مشتركة بين الهيئة العامة للترفيه والهيئة العامة للثقافة، تضمن أن تكون المتاحف العامة والخاصة، والمعارض بأنواعها، والفعاليات الأدبية والفنية جزءًا من خيارات الترفيه، لكن دون أن تفقد قيمتها الثقافية المرتبطة بأبعادنا التاريخية والجغرافية والاجتماعية.
5 - التخلص من سيطرة التوجُّه الواحد، والخروج من هيمنة الصورة الجاهزة للترفيه المتمثلة في المهرجانات التقليدية إلى صور مركبة يمتزج فيها الثقافي بالترويحي. ويجب أن نستحضر في مرحلة التأسيس لصناعة الترفيه أن ثمة اختلافًا فقهيًّا حول بعض صور الترفيه، واختلافًا اجتماعيًّا في النظر إليها أيضًا. والحل هو في تنويع الصور، وبث الخيارات المتنوعة؛ ليكون من حق كل مواطن أن يختار منها ما يتناسب مع رؤيته.
6 - التنبه إلى أن أهداف الترفيه لن تتحقق إذا أصبح الترفيه عبأ من جملة الأعباء بارتفاع تكلفته، وكثرة متطلباته، ومحدودية صوره، وبتكتله في أمكنة دون أمكنة، واسترساله في خدمة طبقة دون أخرى.
والمتطلبات مدى!
- د. خالد الرفاعي