د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
انتخاب دونالد ترامب يتوافق مع الاستراتيجيات الكبرى للولايات المتحدة التي تدرك حقيقة موازين القوى التي تحكم لعبة الأمم، وهي استراتيجية لا تغيب عن أميركا التي تحرص على فكرة القرن الأمريكي التي تبلورت عام 2010 لكنها لن تتحقق دون الاستدارة نحو آسيا ما يعني محاصرة الصين في آسيا رغم ذلك تحرص الصين هي الأخرى التحرر من الحصار الأمريكي وهي تنوي إحياء طريق الحرير البري والبحري، خصوصا وأنها تعتبر السعودية المحطة التي يمكن أن تحقق إحياء هذين الطريقين علاوة على إنشاء سكة حديد سريعة تعبر وسط آسيا تنتهي في بريطانيا للتحرر من الحصار الأمريكي.
ليس عشوائيا ولا مصادفة أن تهتم السعودية بالداخل أولا عبر تحقيق رؤية المملكة 2030 والتي تستلزم تحولا اقتصاديا وهيكليا بنيويا واجتماعيا جذريا، وإن كان عبر تحولات مرحلية لكن هناك متابعة شديدة لتحقيق تلك التحولات عبر مبادرات عديدة تخضع للتقييم والمتابعة المستمرة من أجل ضمان تنفيذها، وهو ما يستلزم التعاطي مع واقع جديد فرض على السعودية أن تستشعر مكانة آسيا التي ستتحول إلى قرن آسيوي.
جولة الملك سلمان التي تشمل سبع دول آسيوية ستعمق أسس شراكة استراتيجية وسترسم ملامح الاستراتيجية السعودية الجديدة والعزم على تنفيذها بدقة وسرعة بالغتين حتى تتحول السعودية إلى قوة اقتصادية هي الضمان للحفاظ على مصالح السعودية الاقتصادية في علاقة تبادلية مستمرة ومستقرة خصوصا مع الجانب الآسيوي، حيث أن أمريكا هي الأخرى تحاول التكيف والازدهار في قرن تبدو ملامحه آسيوية.
تجمع آسيا بين دول متعددة ومتنوعة من الصين الصاعدة التي تمثل البيت الصناعي العالمي تمثل ربع سكان العالم، واليابان التي تمثل المضلع الثالث في الرأسمالية العالمية التي تمثل مصدرا مهما للتكنولوجيا المتقدمة ومجموعة سوفت بنك اليابانية الرائدة في مجال الاستثمار في التكنولوجيا التي أعلنت في أكتوبر 2016 أنها ستنشئ صندوقا مشتركا مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي اسمه صندوق ( رؤية سوفت بنك ) بمبلغ 100 مليار دولار، سيسعى الصندوق لفرص استثمارية ممتازة في جميع أنحاء العالم، وخاصة في مجال تقنية المعومات وقطاع التقنية العالية، أي أن الصين واليابان يمثلان الجسر الصناعي في آسيا وهما يقودان القرن الآسيوي بجانب الهند كقوة ثالثة في آسيا.
وتعتبر السعودية إندونيسيا إحدى أسرع الدول في شرق آسيا نموا وهي وماليزيا تشاركان في تحالف الدول الإسلامية العسكري الذي شكلته السعودية في محاربة الإرهاب الذي شوه الدين الإسلامي برعاية دول مشبوهة.
تأطير التعاون مع ما يسمى دول النمور الآسيوية في توسيع الدور السعودي حتى وإن جاء متأخرا فإنه سيحول السعودية إلى نمر من النمور الآسيوية بل سيتفوق عليها بما تمتلكه السعودية من مقومات أكثر قوة وأكثر متانة وهي تتجه لرسم ملامح مرحلة جديدة قلبها ومحورها التركيز على التكنولوجيا وقطاع التقنية بجميع مستوياتها لفتح الباب أمام تحقيق رؤية المملكة 2030.
لذلك ستشمل الجولة سبع دول آسيوية ناهضة لنسج شبكة من علاقات الشراكة الاقتصادية قائمة على أسس التنوع والتوازن يسهم في تعزيز الدور المحوري الذي تقوم به المملكة إقليميا ودوليا من أجل ترسيخ الأمن والاستقرار، من أجل أن تعزز مكانتها ودورها على خريطة التوازنات الاقتصادية الدولية، وتعزيز ثقلها كمرجع دولي سواء كان دينيا أو سياسيا أو اقتصاديا، لتعزيز القوة الناعمة.
وهندسة شبكة العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الشرق لن يكون على حساب شبكة العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الغرب بل هي ضمن شبكة شاملة من العلاقات الدولية، حيث يقوم ولي ولي العهد محمد بن سلمان الذي تولى إطلاق رؤية المملكة القيام بسلسلة من الزيارات إلى دول العالم وسيلتقي الرئيس ترامب خصوصا وأن السعودية بصدد طرح أكبر اكتتاب في التاريخ.
هناك تشابه كبير بين دول يزورها الملك سلمان خصوصا اليابان التي تمكنت من إقامة علاقة مع الدول الغربية التي هزمتها في الحرب العالمية الثانية مثلما تقيم السعودية علاقة وثيقة مع الولايات المتحدة لكن اليابان تمكنت من النهوض بعد الحرب العالمية الثانية في زمن قياسي ولم تكترث اليابان في أن تظل منعزلة عن التطور العالمي، وهي مثل المملكة تعاني من خطر كوريا الشمالية وما تملكه من أسلحة نووية مثلما تعاني السعودية من خطر إرهاب إيران النووي والأيديولوجي.
لذلك هناك حاجة لكل منهما الآخر، فالمملكة بحاجة إلى التطور التكنولوجي والتقني والمهارات المتراكمة التي تمتلكها اليابان، وفي نفس الوقت اليابان بحاجة إلى الملكة بحكم أنها مخزن نفطي استراتيجي، رغم وفرة النفط في الوقت الحاضر لكن لا تنسى اليابان انقطاع النفط لأسباب جيوسياسية، خصوصا وأنها تعتبر النفط شريان الصناعة اليابانية.
ولا يزال العالم ي عتبر الولايات قوة اقتصادية لا يمكن تجاهلها فميركل مستشارة ألمانيا ترى في أميركا عمود أساس الفائض التجاري الألماني رغم الخلاف الكبير في وجهات النظر وهي تسافر لأميركا مدعومة برجال أعمال أقوياء وبيانات اقتصادية وهي تعتمد على الشركات الألمانية في توفير مناخ جيد للمحادثات مع ترامب.
كثير من المحللين الاقتصاديين العالميين يتابعون ملامح آفاق التطور والتحول الذي تقوده رؤية المملكة 2030 ومن هؤلاء المحللين الاقتصاديين العالميين دنيس روس كتب في واشنطن بوست مقالا تحت عنوان ( هذه هي السعودية الجديدة التي فاجأتني) علينا نحن كسعوديين أيضا أن نكتشف بلدنا بدلا من التركيز على جزئيات لا تمثل الملامح العامة للرؤية، بل علينا أن تكون لدينا قراءة فاحصة مستقبلية حيث أن الرؤية اعتمدت وانطلقت من قاعدة صلبة قوية جدا ومن إمكانات وإمكانيات الكفاءات السعودية التي هي قلب هذه الرؤية.