د. حمزة السالم
الأسهم الممتازة ليست إلا سندات دين ولا تختلف عنها جوهرياً، إلا في أمر رئيسي واحد وهو: حق المطالبة بالوفاء بالدين، عند التعثر أو العجز عن السداد، بالاستحواذ على الشركة وتصفيتها. ولا يُعطون عند التصفية إلا بعد الديانة.
وأعتقد أنه بهذا الفرق احتج أول من اخترع الأسهم الممتازة على المشرع الأمريكي بتسميتها بالأسهم، وأعتقد أنه كان حيلة للاقتراض فوق النسبة المشروطة بين الدين والملكية، ثم صار أداة لها استخداماتها الخاصة، ليس هنا محل ضرب الحالات المناسبة وأسبابها.
ومتى ما سُميت الأشياء بغير مسمياتها صَعُب فهمها حتى على المختصين. ولا تُسمى الأشياء بغير مسمياتها، إلا لإخفاء حقيقتها من أجل الالتفاف على مانع ديني أو قانوني أو اجتماعي.
(أما السندات «المُسماة بالصكوك عندنا» فلا إلى هؤلاء ولا هؤلاء، فليس للصكوك مستند قانوني ولا عقلي اللهم فرض قبول 1+1 = 5، فالحيلة في الثقافة التي تحترم عقلها، لابد لتمريرها من سندها بالمنطق وبالحجة، أما الصكوك فمجرد مهزلة وفوضى حقوقية، وستظهر مصيبة الصكوك عند زوال النفط، وقد كتبت في هذا قديما).
وقد قع في يدي صدفة، نظام الشركات الجديد.. فتصفحت سريعاً باب الديون، فإذا المادة الرابعة عشرة بعد المائة من نظام الشركات الجديد تنص على ما هو غير مقبول عقلاً.. فقد جاء فيها «يجوز للجمعية العامة غير العادية للشركة ....، أن تصدر أسهما ممتازة وأن تقرر شراءها أو تحويل أسهم عادية إلى أسهم ممتازة أو تحويل أسهم ممتازة إلى أسهم عادية».
والشاهد هو عبارة «أو تحويل أسهم عادية إلى أسهم ممتازة» والأسهم الممتازة دين والأسهم العادية ملكية. فكيف يكون للمالك أحقية تحويل ملكيته لدين؟!.. وعوضاً عن ماذا يتحول المالك من ضامن إلى مضمون؟ فالمالك ضامن، وبهذا استحق الربح غير المحدود لرأس ماله، وهذا أمر معلوم بالفطرة، كما قال نبي الفطرة عليه الصلاة والسلام «الخراج بالضمان».
إنما هو الدين الذي يمكن تحويله لملكية.. فالدائن يتنازل عن ضمان رأس ماله مقابل أن يدخل شريكاً في الأصل، فيكون الدين ثمناً للملكية. أما أن تكون الملكية ثمناً للدين؟ إذاً فلا غبار على عبارة «أو تحويل أسهم ممتازة إلى أسهم عادية»، أما العكس؟؟!! «أو تحويل أسهم عادية إلى أسهم ممتازة» ملكية لدين؟ فلا أدري كيف فات هذا الخطأ الفادح على العشرات من رجال الأعمال والتجار والقانونيين والشرعيين والمختصين الذين تناولوا هذا النظام بالمراجعة والشرح والتدقيق قبل صدور النظام وبعده، تنظيراً وتطبيقاً. فكم من لجان واجتماعات واستشارات ثم يُخرج بنظام ينص على جواز تحويل الملكية إلى دين، ويستمر ولا يلحظه أحد من المهتمين به والمتعاملين به، فالحمد الله على كل حال.
وقد قمت بإيصال الأمر لأهله، ومازال النظام كما هو، ليؤكد أن الأمر قد تم تمويهه إما بتحريف الدلالات أو بالتهوين من شأن الخطأ، مثلاً بحجة أنه لا يوجد أسهم ممتازة عندنا. (وكأنه لا تكفينا فوضى الصكوك ومهازلها التي نحملها على شريعة محمد عليه السلام).. فنحن لا نعترف أبداً بأخطائنا، ولا نبالي أن نجادل بإنكار المعلوم وبقلب المنطق وخلط الواضح. فلذا لا عجب أننا لا نكترث بترك شاهد على عقولنا كهذا، في نظام قد يطلع عليه الغريب ليدرك البيئة العقلية التي هو مقدم عليها، فيكون على بينة.
الخطأ ليس عيباً، فما صعدت الأمم إلا بالتعلم من أخطائها، فالعيب ليس في الخطأ ذاته حتى لو كانت كلفته عالية، وخاصة عندنا، -فكم يغطي النفط من عجائب الأخطاء-، بل العيب في الخطأ بما يدل عليه من مستوى العقل الوطني، كخطأ تجويز تحويل الملكية إلى دين، هو خطأ يدل تشويش في أصل منطق الفطرة. وثم المصيبة الجامعة بعد ذلك، هي إنكاره لنُضيع ثروة الدروس المستفادة منه، لنكتسب مقابلها صرح الأوهام الذي نبنيه يوماً بعد يوم في ثقافتنا، والله المستعان.