رمضان جريدي العنزي
يشكِّل القطاع الصناعي ركنًا مهمًّا ومحوريًّا في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية؛ إذ إنه يشتمل على سلسلة طويلة ومتنوعة من العمليات الإنتاجية التي تؤمّن معدلاً عاليًا من النمو الاقتصادي الذي يمكن من خلاله تعبئة الموارد البشرية والمادية المتوافرة في البلاد بشكل أمثل. لقد ساهم القطاع الصناعي كثيرًا في مسيرة التطوُّر والرقي الوطني، وفي مسيرة التقدم ورفع المستوى المعيشي للمواطنين وتدريبهم وتأهيلهم.. ويُعد القطاع الصناعي نقطة الانطلاقة الجوهرية نحو تحقيق الأهداف والمبتغيات؛ ما يؤهله إلى مواصلة التنمية، وجعلها مستدامة وقابلة لمزيد من النمو والتحديث. ومن هذا المنطلق يُعتبر القطاع الصناعي الوطني المحرك الأساسي للتنمية، والأداة الأكثر فاعلية في تحويل الاقتصاد من نشاطات ذات قيمة مضافة منخفضة إلى نشاطات تحقق معدلات نمو سريعة، وتوفير إمكانية متزايدة للتنمية المستدامة. إن الحاجة ملحة وضرورية لتدعيم القطاع الصناعي، وتسهيل أمره وعمله وشأنه، والعمل على تحقيق تطلعاته ومواكبة متطلباته التطويرية والتشغيلية، وتشجيعه وتقديم التسهيلات المتاحة كافة، والبحث عن كل ما يخدمه ويأخذ به نحو الأفضل والأرقى والأحسن، بعيدًا عن تنفيره وتكبيله وتحطيمه وذلك بوضع العراقيل والاشتراطات والأنظمة والقوانين المجحفة في حقه؛ لأنه يعد أحد أهم القطاعات التي يمكن أن تشكّل نقطة ارتكاز متينة، ويمكن أن يعتمد عليها، وتبنى عليها آمال متفائلة. إن القطاع الصناعي السعودي يلعب دورًا اقتصاديًّا مهمًّا في الوقت السابق والحاضر، وفي المستقبل؛ فلقد أثبت جدواه وجدارته وفعاليته، وكسب ثقة السوق المحلي والإقليمي والعالمي بجودته وتقنيته وديناميكيته. إن القطاع الصناعي السعودي يحتاج إلى دعم متواصل، وتهيئة أجواء، وإيجاد الحلول السريعة لمشاكله التي تقلل من مساهماته الفعالة؛ إذ إن الاشتراطات الحالية والأنظمة التعسفية تعيق حركته ونموه، ومن ثم قدرته الاستيعابية للكادر الوطني؛ الأمر الذي يعرّضه إلى منغصات ومصدات كبيرة، وإلى انخفاض مساهمته في الإنتاج والتوظيف والتأهيل، وانخفاض مقدرته التنافسية في الأسواق الداخلية والخارجية على حد سواء؛ وبالتالي تكمن المشكلة في الدائرة المغلقة التي لا باب فيها ولا مخرج. إن الدور التنموي والفاعل للقطاع الصناعي بكل أشكاله وأنواعه الكبيرة والصغيرة والمبتدئة يتوجب على القائمين على شأنه أن يقوموا بتحليل المعاات والمصدات والحواجز، واكتشاف التحديات، والاطلاع على ما كتب في هذا المجال وتحليله، ومحاولة استخلاص النتائج عبر تحديد المشكلة، وتتبُّع تطورها، ومن ثم العمل على إنتاج سبل وطرق جديدة في معالجتها وتجاوزها. إن المحافظة على قدرات القطاع الصناعي في الإنتاج والتشغيل والدعم، وتسهيل السبل وتعبيد الطرق، تسهم مساهمة فاعلة في تمكين هذا القطاع من توظيف الكادر الوطني واستيعابه بكل أريحية، وبلا خلل. إن غياب المساعدة والوقوف مع هذا القطاع المهم جدًّا يكسر من حدة التشغيل والإنتاج والاستيعاب. إن القطاع الصناعي الآن يخضع لأكبر عدد من القيود والقوانين والأنظمة والمعاقات التي تحد كثيرًا من عمله، وتتحكم في مفاصله، وتقيد الإنتاج والتشغيل عنده، رغم بُعده الاقتصادي وأهميته الشديدة. إن ضمان استمرار القطاع الصناعي في عمله ودوره التنموي يتم بكسر وإزاحة المعوقات والتعسفات كافة بشتى أشكالها وتنوعاتها وبيروقراطيتها وتعقيداتها المختلفة.. إن التضييق على المصنعين وفق اشتراطات صعبة وطويلة ومملة أدى إلى تراجع حاد في إنتاجية هذا الرافد الاقتصادي المهم، وضيّع عليه فرص البحث والتطوير والإنتاج والاجتهاد في إيجاد واستحداث طرق تصنيعية جديدة لمنتجات جديدة، تتمتع بجودة عالية. إن الزيادة الحادة في اختراع الأنظمة والاشتراطات، وإطلاق اليد في هذه المسألة بشكل كبير، يعد تصرفًا غير فعّال ولا عقلاني، ولا يؤدي إلى نتائج مُرضية، ويضع القيود في يد المصنعين. إن تراكم التشريعات وكثرتها لا يهيئان لنمو، ولا يشجعان على الاستثمار، بل يكبحان النجاحات في توطين الكادر الوطني وجلب التقنية، ويبقيانها خارج المنافسة المحلية والإقليمية والعالمية. إن الدول المتقدمة صناعيًّا نجحت لكونها بنت استراتيجياتها الصناعية وفق اشتراطات خفيفة، وتشريعات غير متعبة، ولا يشوبها تعقيد ولا تنفير.. ونظرًا لوصول صناعتنا إلى مستوى جعلها تصبح ركنًا اقتصاديًّا مهمًّا في اقتصادنا الوطني أصبح من الضروري توافر خطة وطنية للبحث العلمي في الارتقاء بالقطاع الصناعي انطلاقًا من أهمية هذه الصناعة وضرورتها الاقتصادية والتنموية.. ويجب أن تعتمد الخطة الوطنية على مبادئ الممكن والمجدي والحاجة الملحة حاليًا ومستقبليًّا؛ لأن ضمان الاستمرار لأي صناعة هو البحث والتطوير والمساعدة والتسهيل والحماية، بعيدًا عن التعقيد والتكبيل والاشتراطات المجحفة. إن واجب القائمين على الشأن الصنعي دعم وتشجيع هذا القطاع، وإعطاؤه مزايا وإعفاءات وموافقات أكبر، وضرورة تهيئة السبل والمناحي كافة له؛ لإيقاظ هذا المارد التنموي الكبير، وبعث الروح التنافسية في جسده الذي بدأ يدب فيه الوهن والكسل نتيجة عوامل وأفكار عدة غير ناضجة.