م. خالد إبراهيم الحجي
إن الله خلق آدم وحواء لعمارة الأرض، والحكمة الإلهية اقتضت استمرار الجنس البشري على الأرض بالزواج الشرعي بين الرجل والمرأة ليكمل كل منهما الآخر، ولتكوين الأسرة التي تعتبر وحدة بناء المجتمع ولبنته الأساسية، ومنذ وجودهما على سطح الأرض نجد أن الرجل يقوم على رعاية الأسرة والإنفاق عليها، وتقوم المرأة بدور الأمومة أفضل وأنبل وأشرف وظيفة لها؛ لأن الرجل بيولوجياً بطبيعة الحال دائماً متفوق على المرأة، وهو أكبر حجماً وأشد قوة وأكثر سرعة في الغالب، لأن تصريف كثير من شؤون الحياة اليومية كان يعتمد على القوة العقلية والعضلية معاً، لذلك نجد أن الرجل هو الرابح غالباً في مجالات الحياة المختلفة بالمقارنة مع ما تقدمه المرأة في ذلك الوقت.
وعندما جاء الدين الإسلامي لم يساو بين الرجل والمرأة في كثير من الأمور بسبب طبيعة كل منهما، مثل: قوامة الرجل على المرأة، وشهادة الرجل التي تعدل شهادة امرأتين، وميراث المرأة نصف ميراث الرجل. وبعض الأمور الأخرى التي اختلف الفقهاء عليها مثل: النقاب والولاية عليها في الزواج والسفر.. وفي الوقت الحاضر وضعت الأمم المتحدة برنامج «التطوير المستدام» وله أهداف عديدة، ومن أكثرها إثارة للجدل الهدف الذي يتعلق بقضية «المساواة بين الجنسيين» ويرمي إلى تحقيق المساواة التامة بين الرجل والمرأة في العالم، ولا يمكن تحقيق المساواة المطلقة بينهما لأن المساواة المطلقة فيها ظلم للرجل والمرأة معاً، وهو مخالف للدين الإسلامي في بعض جزئياته. ومن الأهداف الأخرى لبرنامج التطوير المستدام للأمم المتحدة قضية تطوير أوضاع المرأة وأحوالها في المجتمع باسم «التمكين للمرأة» الذي يقصد به: إحداث بيئة مناسبة للمرأة تُمَكِّنها من اتخاذ القرارات الخاصة بها لتحقيق منافعها الخاصة إلى جانب مصلحة المجتمع من حيث مشاركتها في جميع مجالات الحياة السياسية، والاقتصادية والعلمية والاجتماعية، وميادين العمل الأخرى لزيادة تفعيل دورها في بناء المجتمع لتحقيق التطوير المستدام.. وبصرف النظر عن تطبيق المساواة المطلقة أو النقاش والجدل الذي يدور حول التفاوت في الفهم والإدراك والذكاء بين الرجل والمرأة، حيث إن فريقاً من الباحثين والعلماء يؤمنون بفكرة تَفَوُّق الرجل على المرأة في الفهم والإدراك والذكاء ويدافعون عنها، بينما الفريق الآخر يعتقد أنهما متساويان ولا يوجد تفاوت بينهما؛ لذلك يجب أن نُحسن توظيف الطاقة الفكرية للمرأة ونعمل على تمكينها في جميع مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والعلمية والاجتماعية، وميادين العمل الأخرى لدفع عجلة التنمية وخدمة الاقتصاد الوطني. ومن هذا المنطلق يمكن تطبيق موضوع تمكين المرأة والاستفادة منه على أرض الواقع في مجتمعاتنا العربية والإسلامية وفق تعاليم الدين الإسلامي والفطرة السليمة دون مخالفة لهما لتحقيق الفوائد التالية:
(1): تقليل نسبة البطالة بين النساء: تمكين المرأة سيزيد نسبة المرأة العاملة ويقلل من نسبة البطالة في المجتمع لأن المرأة تمثل نصف المجتمع تقريباً، وقد أصبحت تنافس الرجل في التأهيل العلمي والكفاءة المهنية، وفي بعض الحالات في المقدمة على الرجل مثل مجالات الاقتصاد المنزلي والتمريض والخدمات الاجتماعية.
(2): تقليل نسبة الفقر: لأن تمكين المرأة وزيادة نسبة المرأة العاملة في المجتمع سيقلل من نسبة الفقر؛ لأنها ستساعد الرجل في تحسين دخل الأسرة وتغطية متطلباتها.
(3): تقليل نسبة العنف الأسري: لأن تمكين المرأة وزيادة نسبة المرأة العاملة وتفعيل دورها في المجتمع يؤدي إلى انخفاض مستوى العنف الأسري؛ لأن المرأة العاطلة أو الأمية في عصرنا الحاضر تتعرض للعنف الأسري أكثر من المرأة العاملة والمتعلمة التي تعرف ما لها من حقوق وما عليها من واجبات.
(4): قيادة المرأة للسيارة: تمكين المرأة من قيادة السيارة سيحل مشكلتين الأولى: توفير مبلغ يزيد على 15 مليار ريال سنوياً للأسر السعودية، وهذا المبلغ يُنفق على عدد تسعمئة ألف سائق منزلي يعملون في المملكة العربية السعودية؛ وتشمل تكاليفهم التالي: تكلفة التأشيرة، استقدام، سكن خاص للسائق، علاج طبي، إعاشة، راتب شهري، تذكرة سفر كل سنتين. الثانية: سيحل مشكلة مواصلات النساء التي تعاني منها أسر الوافدين والأسر الفقيرة والغنية على حد سواء.
(5): بروز مواهب المرأة: لأن حصولها على الشهادات العليا في المجالات المختلفة، يجعلها تتشجع لتُظهر تفوقها لتنضم أفضل العقول النسائية النابغة إلى مراكز البحث العلمي والتقني وتقدم مواهبها المفيدة لمصلحتها وللمجتمع أيضاً؛ لأن البحث العلمي والتقني يمثل العمود الفقري للاقتصاديات الحديثة المبنية على التقدم المعرفي والتنافسية.
(6): زيادة التنمية الوطنية: لأن زيادة نسبة المرأة العاملة في المجتمع ومشاركتها في مختلف مجالات الحياة خاصة المجالات التي تتميز فيها، مساهمة في مسيرة التنمية وفخر للوطن؛ لذلك يجب على صناع القرار وأصحاب الفكر أن يفعلوا المزيد ويأتوا بكل جديد لتمكين المرأة من الدخول في جميع مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والعلمية والاجتماعية وميادين العمل الأخرى وتوجيه الطاقة العقلية للمرأة للتنمية والتطوير والبناء وخدمة الاقتصاد الوطني.
الخلاصة
إن تطبيق تمكين المرأة في المجتمع ليس معناه تحقيق المساواة المطلقة بينها وبين الرجل أو مخالفة الدين الإسلامي.