د. أحمد الفراج
عندما دشّن الرئيس أوباما مرحلة فتور العلاقات، بين المملكة وأمريكا خلال فترة رئاسته الثانية، وذلك لأسباب أيدولوجية ونفعية شخصية، كما ذكرت في مقالي الماضي، أعتقد أعداء المملكة أن زمن التحالف الوثيق بين أمريكا والمملكة ولى إلى غير رجعة، وقد احتفلوا، وطربوا لذلك، وبلغ الأمر أن عملة التليفون الصحفية، عبدالباري عطوان، ظهر في أكثر من برنامج تلفزيوني، وبشر بأن مشيخات الخليج (كما أسماها) ستصبح إمارات خاضعة لإيران! ومن المسلم به أن عطوان يتحالف مع من يدفع أكثر، ويفضل غالباً العملات الصعبة، فقد كان حليفاً للخليج، ثم لصدام حسين، ثم لابن لادن، وأخيراً لإيران، وربما ينتهي به الأمر حليفاً لإسرائيل، ولم يكن عطوان هو الوحيد في هذا السبيل.
كانت جوقة المبشّرين ببداية النهاية لدول الخليج العربي تشمل اليسار العربي المأزوم، والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، سواء أصله الرئيس، أو تنظيماته الفرعية في دول الخليج، خصوصاً فرع التنظيم بالمملكة، وأعني هنا الإخوانيين والسروريين والبنائيين، وغني عن القول إن الفرع البنائي هو الأخطر، وعن طريقه استطاع التنظيم أن يتغلغل في معظم مفاصل الدولة، وذلك لأن الإخواني البنائي هو متأسلم حركي، ولكنه قادر على التلون والتلبرل تبعاً للموضة، والشواهد على ذلك كثيرة، أقول إن اليساريين والحركيين المتأسلمين تفاءلوا، وذلك بعد أن تزامن التثوير الاوبا-إخواني في عالمنا المنكوب، والذي أطلق عليه الإعلام الغربي مسمى الربيع العربي، مع حرف أوباما لمسار العلاقات التاريخية، بين الإمبراطورية الأمريكية والمملكة، وظنوا أن هذا الفتور الطارئ في علاقة البلدين سيستمر طويلاً، وهم على يقين أن إفساد علاقة المملكة بأمريكا والغرب عموماً هو المنفذ الوحيد لهم للقفز على السلطة.
كل هذه الأحلام والأوهام العطوانية والحركية تبخرب في يوم التاسع من نوفمبر الماضي، عندما فاز دونالد ترمب برئاسة أمريكا، وخرج أوباما من المكتب البيضاوي، وقد كان هذا هو الحلم المزعج لإيران، إذ كانت تعلم أنه لم يحكم أمريكا، ولن يحكمها شخص بمواصفات اليساري أوباما، الذي أبرم الاتفاق النووي معها، وأفرج عن المليارات الإيرانية المحتجزة، وهو الأمر الذي ساهم في ازدياد وتيرة التدخل الإيراني، والتوسع في مناطق الصراع، في العراق وسوريا واليمن ولبنان، ولم يسبق للهيبة الأمريكية أن تلطخت مثلما حدث في زمن أوباما، فقد وصل الأمر درجة تلكؤ أوباما في التدخل في أي بلد يصله النفوذ الإيراني، وذلك خوفاً من غضب إيران، وإفساد مشروع الاتفاق النووي، بل تم تسريب أن الرئيس الإيراني رفض التحدث مع أوباما، وجاءت الطامة الكبرى، عندما احتجزت إيران مجموعة من الجنود الأمريكيين بشكل مهين، كان سبباً لغضب الشعب الأمريكي، الذي استعصى عليه فهم سياسات أوباما الخارجية، مع أن السبب أوضح من شمس النهار، فالاتفاق النووي هو الإنجاز الوحيد للرئيس أوباما، وسينفذه مهما كانت الأحوال.
كان كل ذلك يجري وسط تذمر شعبي وجمهوري في أمريكا، وكان ترمب مستاءً من هذا التقارب الأمريكي- الإيراني، والذي كسر قاعدة أمريكية، استمرت أربعة عقود، إذ إن ترمب يؤمن بأن إيران استغلت ضعف إدارة أوباما، وحصلت على ما تريد، ولذا فما إن دخل المكتب البيضاوي حتى أعاد الأمور إلى نصابها، ثم ثنّى بلقاء ولي ولي العهد السعودي، وهو اللقاء الذي دشَّن التحالف التاريخي بين المملكة وأمريكا من جديد، وأعاده إلى مساره الصحيح، وهذا ما سنتوسع فيه مستقبلاً.