تعد محافظة العلا بمنطقة المدينة المنورة جوهرة الوجهات السياحية بالمملكة العربية السعودية لامتلاكها التنوع الطبغرافي والحضاري خاصة في جانبه الأثري فهي تنعم بأضخم المتاحف العالمية المفتوحة للكتابات والنقوس التي كتبت بجميع لغات العالم القديم إضافة الى جانب الرسوم الصخرية الموغلة بالقدم.
ولكوني أحد المنقبين عن الآثار في تلك المحافظة خلال العشر سنوات الماضية ضمن بعثة جامعة الملك سعود كنت ولا زلت أقوم بمسح أثري للجبال والأودية والخوانق والحرات وأوثق من خلالها عبر التصوير الفوتوغرافي كل ما هو ظاهر من آثار كالنقوش والكتابات والرسوم الصخرية والمنشآت الحجرية والتراثية وقد قمت بنشر العديد منها في عدد من المجلات العلمية الُمحكمة.
هذا الواقع الجميل لآثار العلا الذي كان سائدا حتى عام 1426هـ قد تغير بعد هذا التأريخ حيث بدأت بوادر التدمير المقصود للظواهر الأثرية خاصة الكتابات والنقوش والرسوم الصخرية إضافة إلى تدمير قلاع سكة حديد الحجاز والبلدة القديمة، كما ونبشت الصحاري والأودية والحرار.
لم يتوقف التدمير على ما سبق ذكره بل شمل حديثاً المواقع الأثرية التي يفترض بأنها تحت الحراسة كالمابيات والخريبة والحجر حتى وصل الحال إلى نبش القبور الإسلامية والسابقة للعصر الإسلامي.
هذا التدمير لم يقتصر على نشاط الأفراد فقط فالزائر لأحد أهم محطات طريق الحاج الشامي المصري في خوانق «أبا عود» بوادي ديدان الذي يعد من أجمل أودية الجزيرة العربية (شمال مدينة العلا بحدود 6كم) قد تم تدميره بالكامل من قبل شركة الكهرباء دون مساءلة أو تدخل من هيئة السياحة والتراث الوطني والحال ينطبق على وادي رم والصنيع وشرعان والحوارة وغيرها من المواقع.
ومن مظاهر التعديات بالمحافظة التعديات على الأراضي الحكومية وانتشار المزارع العشوائية التي يقوم على إثرها المعتدون بتهشيم الكتابات والرسوم الصخرية وكل ما يمت بصلة للآثار بالأرض المعتدى عليها اعتقادا منهم بأن إزالتها ستحميهم من المساءلة الشرعية.
إن استفحال الإجرام بتراثنا الوطني يتطلب التدخل السريع للحماية الجادة فالكثير من الدول تراقب آثارها ومواردها الطبيعية عبر السماء والعلا تستحق الحماية كونها المظاهر الطبغرافية والأثرية التي سبق ذكرها هي عماد السياحة الثقافية والبيئية لمحافظة العلا وبفقدانها سنفقد أضخم سجل تاريخي وحضاري يقع تحت اهتمام شعوب الديانات السماوية الثلاث، ولو كانت مدينة العلا ومحيطها الحيوي في أوروبا لجلبت لأهلها سنويا مئات المليارات من عوائد السياحة ووفرت عشرات الآلاف من الوظائف.
لقد حمت فخوذ الفقراء والليدا من قبيلة عنزة هذه الآثار قبل وبعد توحيد المملكة العربية السعودية على يد المؤسس الملك عبد العزيز طيب الله ثراه، وبحكم التنظيم الإداري فيما بعد جعل من هؤلاء الحماة خارج النص التنظيمي الذي انعكس بالتالي على حماية الأثر، ونصيحتي للمهتمين بحماية الآثار في الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني الاستعانة بهؤلاء الكرام كونهم الأقدر على الحماية بحكم سجلهم وسجل آبائهم وأجدادهم الناصع بالحماية، إضافة إلى معرفتهم الفذة في تفاصيل الأرض ومحتواها الثقافي.
** ** **
د. أحمد بن محمد العبودي - جامعة الملك سعود، كلية السياحة والآثار، قسم الآثار
alabodi1838@gmail.com