هدى بنت فهد المعجل
يرى جوستاف فلوبير الروائي الفرنسي مؤلف مدام بوفاري أن «الموهبة هي صبر طويل». ويقول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه «حلاوة الظفر تمحو مرارة الصبر». أما العبد الفيلسوف فقد أشار إلى الصبر في موقفه مع سيده الذي واصل معه حتى كسر ذراعه في محاولة منه للاستخفاف بكون فلسفة هذا العبد تدعو إلى الصبر.. حيث قال السيد لعبده يقول الناس إنك فيلسوف.
يرد العبد: لا بد أن يكون هناك بعض الحقيقة فيما يقول الناس.. يقول السيد بامتعاضٍ: حسناً إذاً، أخبرني ما الذي تدعو إليه فلسفتك.
يرد العبد: فلسفتي، فلسفتي تدعو إلى الصبر. يمسك السيد بيد عبده ويلويها إلى الخلف وهو يقول: إن كانت فلسفتك تدعو إلى الصبر، دعنا نرى كيف ستصبر على الألم.. وببطء راح السيد يلوي يد عبده أكثر فأكثر. وفيما هو يفعل ذلك، كان يسأله: ألا تؤلمك؟ والعبد يجيب بهدوء: بالتأكيد يا سيدي. وفيما يواصل السيد لوي اليد، كان حنقه يزداد ويسأل بصوت يتميز غيظاً: ألا تؤلمك الآن أكثر؟ والعبد يجيب بهدوء: بالتأكيد يا سيدي. ازداد غيظ السيد وسأل عبده بما يشبه الصراخ: وماذا لو أنني لويتها أكثر من ذلك، ألن أكسرها؟ أجاب العبد بهدوء: أجل ستكسرها يا سيدي. استمر السيد حتى كسرت يد العبد. وعندما جحظت عينا السيد وانتفخت أوداجه وتقطب جبينه، قال العبد بهدوء: ألم أقل لك يا سيدي، ألم أقل لك ستكسرها؟ نتج عن ذلك أن السيد دخل التاريخ بسبب عبده، فلم يكن ذلك العبد سوى أبكتيتوس الفيلسوف، وأما فلسفته التي دعت إلى الصبر فلم تكن سوى الفلسفة الرواقية. فلسفة الرواقيين وقد رأوا في (سقراط) الأب الروحي لفلسفتهم عندما فضّل تجرع السم على الهرب مع تلاميذه بعد أن رشوا الحراس وطالبوا معلمهم بالفرار، لكنه رفض لإدراكه أن في هربه سيدمر الفلسفة، ففضل الموت وألمه متجرعاً السم بصبر لا يحتمله إلا فيلسوف. هنا ندرك أن فضيلة العقلانيين هي في الصبر وليس في مواجهة الكره بالكره والمصيبة بالحزن واليأس أو الألم، حيث لا هازم للمحنة وللشدائد والمصائب مثل الصبر؛ طوق النجاة للمؤمن، أياً كانت عقيدته وديانته ونحن نردد كلمة (يا صبر أيوب)، فالصبر نصف الإيمان!!. قال تعالى في سورة آل عمران: 120 إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ الله بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ .
وقال في سورة الأحقاف: 35 فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أولوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ .
من كتاب ريتشارد كارلسون (لا تهتم بصغائر الأمور) يمكننا استخلاص فقرات مهمة في كيفية تعاطي الصبر، وهو يعتبره من صفات القلب التي يمكن زيادتها بدرجة كبيرة عن طريق الممارسة والتدريب، حيث يقول: بإمكانك أن تبدأ بقدر ضئيل من الوقت، كخمس دقائق مثلاً، وأن تبني قدرتك على الصبر مع مرور الوقت، ويقول: الصبر هو أحد الصفات الفريدة التي تولد النجاح، وبدون الصبر يمكن أن يتحول الموقف إلى حالة طوارئ تامة، بما فيها من صياح وإحباط ومشاعر مجروحة وارتفاع في ضغط الدم. حينها لا يملك الطبيب إصلاح ما أفسده انعدام الصبر!!.