محمد سليمان العنقري
ستة أعوام على تأسيس وزارة الإسكان التي حظيت بدعم استثنائي من الدولة مادياً ومعنوياً، لكن النتائج بعد مرور نصف عقد من عملها ليست أكثر من وعود أو أنظمة وإستراتيجيات قياساً بما أنجزته حتى الآن دون أن يكون هناك مبرر مقنع، بل شابَ عملها كثيرٌ من التحولات والتناقضات منذ أيامها الأولى والتي لا تحتاج إلى تكرارها، فالمجتمع حفظها من كثرة تكرارها بالطروحات والكتابات والنقاشات على مدى السنوات الماضية، لكن هل فعلاً الوزارة لم تطلق سوى الوعود فعلياً؟.. الجواب يكمن بالنتائج فمن النية لبناء 500 ألف وحدة سكنية رصد لها 250 مليار ريال إلى تغيير جذري تمخض عن برنامج سكني مع تغيير كامل بآليات عمل الصندوق العقاري تمخض كله عن 280 ألف منتج أي أقل بحوالي44 %.
من الوعود الأولى ببناء 500 ألف وحدة سكنية، فهل تقلصت طموحات الوزارة إلى هذه الدرجة وباتت وعودها دون مستوى الإمكانيات التي وفرت لها بكثير!.. كما أن الوزارة وفي بدايات عملها توقعت أن تسهم خططها برفع نسب التملُّك لأكثر من 70 % عام 2020م، بينما تقلصت هذه النسبة إلى 52 % حالياً دون إبداء أسباب مقنعة لهذا الخفض الكبير، وبنفس الوقت قال وكيل وزارة الإسكان قبل أسابيع إنه يتوقع ضخ 500 مليار ريال خلال العوام القليلة القادمة لبناء 1.5 مليون وحدة سكنية، فهذه الأرقام كفيلة بتغطية الطلب كاملاً أي الوصول لنسبة تملك شبه كاملة، وهو ما يتناقض مع النسب التي أعلنت ببرنامج التحول الوطني.
أما الأمر الآخر الأكثر أهمية أن الحل الرئيس لمشكلة تملُّك السكن هو بزيادة العرض من الوحدات السكنية لكي تتناسب مع نوعية وحجم الطلب الحقيقي، إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث بالمستوى المأمول والممكن، فستة أعوام كافية لبناء مئات الآلاف من الوحدات السكنية، لكن أكثر ما سمعنا أنه بنى «الإستراتيجيات والأنظمة» التي نعلم أن السوق يحتاجها، لكن أين الحلول الاقتصادية العملية الموازية، فقد تركزت أغلب توجهات الحلول لزيادة التمويل وتنوعه بالسوق وكأنها هي المشكلة الحقيقية!! بينما لم نجد زيادة منطقية ومناسبة بعدد الوحدات حتى يكون الحل متكاملاً، فإجراءات المتقدمين لمشاريع التطوير تأخذ وقتاً طويلاً قبل تسليم الملفات والبيروقراطية لم تغادر أروقة الوزارة كما كانت تعلن دائماً بأنها ستقضي على فترات الانتظار الطويلة لاستكمال ملفات التطوير، فلماذا كل هذا التأخير وبنفس الوقت نجد تسارعاً كبيراً لتسهيل إجراءات منتجات التمويل مع العلم أن الوحدات الموجودة بالسوق غالبيتها بأسعار مرتفعة ومبنية منذ أعوام ولم ينجح تسويق الكثير منها لارتفاع أسعارها قياساً بالقوة الشرائية لغالبية طالبي السكن، فالتأخير بترخيص المخططات وأعمال التطوير لا يخدم الحلول الإسكانية، بل يزيد من تأخر حلول التملك للأسر ونفور القطاع الخاص وعدم استجابته للدعوات بتحفيز التطوير وزيادة المنتجات بالسوق.
أما الحلول التمويلية التي فاجأت الجميع بإجراءاتها الأخيرة من قبل صندوق التنمية العقاري فقد بددت آمال الكثيرين بالحصول على قرض ميسر للتملك أو البناء قياساً بما كان يحصل عليه المواطن سابقاً من الصندوق بخلاف الإجراءات الإضافية التي قد تستبعد عدداً لا يُستهان به من الاستفادة من القروض التي يدعمها الصندوق بإطارها الحالي الذي رفع نسبة السداد، وأضاف تكاليف على القرض سيتحمل جزءاً ليس بالقليل سداده ومع الهيكلة الاقتصادية التي تتم حالياً والتي طالت تقليص البدلات للموظفين بالقطاع العام والارتفاعات المتوقعة بتكاليف المعيشة بعد رفع الدعم عن الطاقة، فإن الالتزامات الأساسية سترتفع فاتورتها بدخل الأسر، وهذا عامل سلبي لسداد القروض إذا كانت بمدد قصيرة ومحمّلة بتكاليف التي سترتفع مستقبلاً مع استمرار رفع أسعار الفائدة للعام الحالي والقادم.
حلول الإسكان اقتصادية ترتكز على زيادة العرض من المنتجات السكنية، وهذا يتطلب وضوحاً من الوزارة بخططها لهذا الاتجاه مع تسهيلات للمطورين المحليين والعالميين وعدم العودة لمربع البيروقراطية الأول باعتماد المخططات بالإضافة إلى التنسيق مع الأمانات والبلديات لتوسيع النطاق العمراني الذي سيعني الضربة القاضية على شح الأراضي واحتكارها، مما سيسرع بالحلول التطويرية وبتكاليف منخفضة واشتراطات ميسرة، فبدون ذلك لن يكون العقار صناعة وستبقى الوعود هي ما يسمعه المواطن فقط.