التحكيم إن كان حديث الانتشار، إلا أنه ليس بحديث العهد، حيث يعد وجود التحكيم قديماً قدم وجود الإنسان ولعل أقدم مثال على ذلك حين قام نزاع بين قابيل وهابيل حول الزواج من الأخت التؤم وكان الحل المقبول لذلك هو الاحتكام إلى السماء ومن الرجوع إلى الكتابات التاريخية نجد أن القانون السومري قد عرف نظام التحكيم شيبهاً بالقضاء حيث كان يتوجب عرض النزاع على محكم عام، كما أن الحضارة اليونانية قد عرفت التحكيم في تشريعات صولو وكذلك عرف التحكيم في القانون الروماني وفي مزايا التحكيم قال أرسطو: أطراف النزاع يستطيعون تفضيل التحكيم على القضاء,كما أن الإسلام أجاز التحكيم بالدعوى المتعلقة بحقوق الناس ولعل أبرز صور التحكيم عند المسلمين هي التحكيم عند نشوب خلاف بين الزوجين قال تعالى :(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا).
الاستثمار والتحكيم مرتبطان، لا يستقيم أحدهما دون الآخر، ولا استثمار من دون تحكيم، لأن الدول والشركات ومعظم التجار يلجؤون إلى حل النزاعات عند تضمين العقود لشرط تحكيمي يحقق السرعة والإنجاز والعدالة في النتيجة وقد بادرت المملكة العربية السعودية في الدخول في التحكيم سنة 1141هـ في المعاهدات الدولية، لذلك فإن نشر ثقافة التحكيم من العناصر الأساسية التي يجب العمل بها لدى رجال القانون والتجار.
ومن فوائد التحكيم:
الإسراع في فض النزاع، وذلك لأن المحكمين يكونون عادة متفرغين للفصل في هذه الخصومة وليس عندهم خصومات أخرى، فيتيسر لهم البدء فوراً في إجراء التحكيم وإنهائه في وقت أقصر بكثير مما يتم في المحاكم، وهذه فيه مصلحة ظاهرة ومتحققة باذن الله في الإسراع في إيصال الحق لصاحبه. وللوقت أثر مهم على الحق المتنازع عليه وبخاصة في القضايا المالية والدولية، وأن سرعة الإنجاز عامل مهم لنجاحها. والبطء في اتخاذ القرار يجعل الأضرار تتنامى وتتضاعف، حتى إن الخسائر المالية التي يتكبدها أطراف النزاع تفوق بكثير أجرة إقامة اثنين او واحد أو أكثر من ذلك من المحكمين لإنهاء النزاع خلال مدة وجيزة، وذلك مثل مجمع سكني كبير يجري حوله نزاع، ويخسر الطرفان خسارة كبيرة نتيجة تعطل العمل وبطء إجراءات المحكمة الشرعية المشغولة بعديد من القضايا، وفي التحكيم تلاف لكثير من ذلك.
2) تلافي الحقد والعداوة والبغضاء بين الخصوم، بقدر الإمكان، وذلك لأن أساس التحكيم يقوم على مبدأ أن الحكم مختار من قبل الخصوم أنفسهم، اختاروه بطيب نفس منهم، وهذا الشخص المختار حائز على ثقتهم، مما يجعل الحكم كأنه صدر من مجلس عائلي، وداخل أسرة واحدة، بخلاف ما لو صدر الحكم من قضاء مفروض على الطرفين سبقه مخاصمة ومشاحنة وبغضاء وجحود وقوة جبرية. وبالتالي فيمكن القول بأن التحكيم يحقق العدل بلا عداوة بين الخصوم بخلاف القضاء الذي يحقق العدل لكنه كثيرًا ما يخلف وراءه العداوة والأحقاد بين المتنازعين.
3) أن التحكيم كما يحفظ العلاقة الطيبة بين الأقارب فهو أيضا يحافظ على العلاقة الطيبة بين التجار وأصحاب النزاع، فكثيرًا ما يقع نزاع بين تاجرين في أحد العقود، ثم يحكموا طرفًا ثالثًا في هذه النزاع، ولا يمنعهم هذا من الاستمرار في التعامل التجاري بينهم، بل إن هذا يزيد ثقة بعضهم ببعض. بخلاف التنازع أمام القضاء، فهو كثيراً ما يقوض التعامل التجاري بين طرفي العقد بسبب قيامه على المشاحة والجحود
لذا نرجو ونأمل من وزارة العدل والجهات القضائية ووزارة الإعلام ووسائل النشر المختلفة نشر ثقافة التحكيم.