د.محمد بن عبدالرحمن البشر
ربما لا يعرف البعض الكثير عن الست الحرة التي حكمت تطوان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، والحقيقة أنها إحدى النساء العربيات المسلمات اللاتي كان لهن دور ما في المشهد السياسي في النواحي التي كن يقطن بها.
والسيدة الحرة هي بنت علي بن راشد الشريف العلوي، حاكم شفشاون، وكلا المدينتين تطوان وشفشاون يقعان في غربي المملكة المغربية الشقيقة، وتطوان تقع على الساحل بينما شفشاون تقع في أعالي الجبال، ويبعدا عن بعضهما قرابة سبعين كيلومترا، وهاتان المدينتان من أجمل بقاع الأرض وألطفها مناخاً، وأعذبها ماء، ومن زار شفشاون فسيجد نفسه يشم عبق الأندلس، وكأنها مدينة أندلسية أراد الله بمنه أن يبقيها عبر التاريخ، لكي تجسد لنا التاريخ الأندلسي الإسلامي المندثر، فيسير المرء في أزقتها في طرق ضيقة كما كانت الأندلس، وسبب التماثل رغم أنها مدينة مغربية، أن معظم سكانها أندلسيون سابقون بما فيهم المورسيكون، وقد احتفظت بطابعها، وعمارتها، وطعامها، وجمال نسائها الأندلسيات.
نعود إلى السيدة الحرة، لنذكر أن اسمها الحقيقي عائشة، وأمها من قرية صغيرة في جنوب أسبانيا بقرب الجزيرة الخضراء، اسمها لا لا زهره، كانت مسيحية فأسلمت، كما أن أخاها دخل في الإسلام وحول اسمه من فرنانديس، إلى فرناندو، والسيدة الحرة توفي والدها وعمرها عشرون عاماً، وكان حاكم تطوان القائد المنتظري الجد، وكانت غاية في الجمال والدلال ودماثة الخلق وحسن التصرف والحزم، وبعد أن تولى المنتظري الحفيد حكم تطوان بعد وفاة جده، تزوج بهذه السيدة الشريفة النسب، والجميلة المنظر، ويبدو أنها سلبت لبه، فضعف أمامها، فكان يوليها أمور تطوان عند خروجه منها لغزواته الكثيرة والمتتابعة، وكثيراً ما تدير بعض الأمور المعتادة في وجوده، وحتى لا نجعل الأمر منوط بالجمال والحب والهوى فحسب، فقد اعترف لها الحكام المعاصرين لها من النصارى، مثل حاكم سبتة وغيره، أنها كانت حسنة التدبير حازمة، أوقعت ذلك الحاكم وغيره عند حده عندما تسول له نفسه المساس بسيادة ما تحت يدها، ولهذا فقد كانت خليطاً من حسن التدبير، والمنظر الجميل.
والسيدة الحرة، تزوجت بعد وفاة زوجها المنتظري الحفيد، بعدد من أبناء عائلة المنتظري، لكنها بقيت سيدة الموقف، والحاكمة الحقيقية للبلاد، وقد عاشت تطوان في كنفها عيشة حسنة، وحافظت على استقلالها شبه التام عن حكام المغرب الوطاسيين، وعاصمتهم فاس.
يبدو أن حاكم فاس السلطان أحمد الوطاسي، قد أعجب بها أو أنه احتاج إلى ولائها ضد أعدائه السعديين، الذين استولوا على نصف ملك المغرب، فطلب يدها فوافقت وتزوجها، وربما أن الدهر قد أتى على شيء من جمالها إلا أن خلالها القيادية، وحاجته إليها وحاجتها إليه، قد يسرت أمور الزواج.
وبعد أن تزوجت بالسلطان الوطاسي زاد نفوذها، واتسعت رقعت تأثيرها، فغار البعض من ذلك، وتململ آخرون، وأخذت المقولات تكثر حول حصول امرأة على هذا النفوذ في بلد إسلامي، فأخذ الناقمون يدغدغون عقول العامة، فعمت هذه المقولة في تطوان وما حولها، ولا يستبعد أن الأيدي المنافسة مثل حاكم سبتة، أو السعديين كان لها دور في هذه المقولة المؤثرة، وأخذ التذمر يزداد لا سيما بين الطامحين.
لقد كان أحد أبناء عائلة المنتظري، ومن أبناء عمومه الحكام السابقين، يراقب الموقف ويطمع في الوصول إلى سلطاتها، وكان محتجزاً في فاس عند حكام الوطاسيين، فهرب مع بعض فرسانه، وعمل انقلاباً داخلياً بمساعدة بعض سكان تطوان، ومن ثم استدعى والده للقدوم، فقدم إليه، وولاه الحكم، فكانت هذه نهاية لحكم هذه السيدة النبيلة في كل شيء.
ويبدو لي شخصياً أن حكمها الحقيقي، قد غلفته بزواجها المتعدد من أفراد المنتظري، ومن ثم السلطان أحمد الوطاسي، لتقنع الناس أنها ليست الحاكمة، وأنما تساعد في تدبير الأمور، أما مقدار ذلك التدبير، فهي التي تقرره.
هذه لمحة عن هذه السيدة الكريمة التي كان لها دور في محاربة أعدائها، والحفاظ على بلادها مدة حكمها، وحكم أزواجها المتعددين.