علي الخزيم
النزعة البشرية إلى الشهرة والتميز في أوساط المجتمع؛ وعلى المستوى الإقليمي والدولي أمر محمود إذا كان على خطى الاستقامة والتأثير الإيجابي، وأرى أن تطلُّع أفراد أو جماعات من مجتمع واحد إلى التميز والاشتهار بأمر محمود هو دليل على نمو هذا المجتمع وازدهاره النسبي تعليمياً وثقافياً واقتصادياً، فالمجتمع المُتَدني بكل أحواله لا يلتفت إلى ما فوق لقمة العيش اليومية يجتهد لتوفيرها، بخلاف التجمعات السكانية الأفضل في جل شؤونها فإن بينها من يتخطى هذا المستوى إلى درجات أعلى من الإبداع والتميز في ميادين مختلفة، ولدى هؤلاء طموحات غير متجانسة أحياناً، فحين يميل فرد إلى (الإبداع) بمجال علمي أو تجاري اقتصادي؛ فإنه بذلك أراد لنفسه ومجتمعه وبلده الرفعة والمجد بقدر استطاعته وجهده، وقد يجتهد طالب (الشهرة) لتحقيق مجد شخصي يعود عليه بالنفع أو يكتفي بالشهرة الاجتماعية، وهذا منتهى درجات طموحه، فيكفيه ان يقال عنه ما يقال بالمجالس.
هذا الصنف من طالبي الشهرة (ولا أقول التميز) قد ينجرف في مجاله إلى سلوك واقتراف سلبيات تنظر لها فئة اجتماعية بالإعجاب وتقابلها بالتشجيع على قدر ادراكها المتواضع لمدى التميز والابداع، وتقديرها لأهمية الإنجاز الاجتماعي والوطني، وهذه الفئة السلبية هي من تدفع ـ دون أن تعي ـ بعض طالبي الشهرة إلى التمادي والانجراف مع التيار الخاطئ إرضاء لنزوات النفس أولاً وإشباعاً لرغبات خاطئة أيضاً من الفئة المؤيدة ولنطلق عليها (الجمهور).
مفردة الجمهور أو الجماهير هي بالغالب تعني الأغلبية، ولعل وهْمَاً طاغياً أصاب بعض راغبي الشهرة أقنعهم ان الفئة القليلة المصفقة لهم بأنهم الأغلبية، فاستمرأوا أساليبهم وطريقتهم التي تشبع نهمهم لجلب الأنظار نحوهم بزعم انها الشهرة والتميز، وأزعم ـ وكثير غيري ـ ان التميز الجالب للشهرة الإيجابية هو ما كان بإنجازات واعمال باهرة تفيد المرء ذاته ومجتمعه وبلده وأمته، الأمثلة هنا كثيرة، وسأكتفي بمثالين من الجنسين هما الدكتور عبد الله الربيعة (فصل التوائم)، والبروفيسورة غادة المطيري عالمة (الفوتون) التي نالت أرفع جائزة للبحث العلمي بأمريكا، اقرأ عنها وعن كشفها العلمي.
على النقيض من ذلك أن ترى (على سبيل المثال) لاعباً اكتسب شهرته بافتعال السقوط بمنطقة خط المرمى بكرة القدم لاكتساب ركلة جزاء غير مستحقة، ويجد هذا المحتال وأمثاله بعض الاعجاب من المتفرجين مما يدفعهم وآخرين غيرهم للاستمرار على هذا النهج المنافي للأخلاق الرياضية والمضامين المنشودة من الانشطة الرياضية عامة، وما يكرس لدى الناشئة والشباب مفاهيم عكسية حيث يبرز المحتال على القانون ونظام اللعبة وكأنه البطل الجماهيري للفريق، وهذا ما يتعارض مع الأخلاق والمثل العربية الإسلامية، وهذا يذكرنا بقصة قديمة لأعرابي أراد الشهرة فبال ـ أعزكم الله ـ ببئر زمزم، لمجرد أن يتحدث التاريخ عنه، لكن التاريخ والعالم خيب ظنه فلم يذكر اسمه، واقترنت فعلته بالسمعة السيئة، والسيرة المُشينة، وأكدت تجارب الاولين والمتأخرين أن قيمة الإنسان الحقيقية بحجم البصمة التي يتركها لصالح أسرته ومجتمعه وللبشرية كلها إن أمكن.