د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
هذه الحلقة الثانية من وقفات مع كتاب (القرارات المجمعية في الألفاظ والأساليب، من 1934 إلى 1987م) إعداد محمد شوقي أمين وإبراهيم الترزي، نشره مجمع اللغة العربية في القاهرة، عام 1989م.
ص61»يخطئ بعض الباحثين مثل قولهم: (تبارت مصر مع بعض الفرق الأجنبية) ويرون أن الصواب أن يقال: (تبارت مصر وبعض الفرق الأجنبية) بحجة أن واو العطف تتعين هنا لأن الفعل يدل على المشاركة ولا يقع إلّا من متعدد. وترى اللجنة أن كلا التعبيرين جائز، وقد ورد في كتب النحو: استوى الماءُ والخشبَ والخشبُ، والاستواء مثل التباري. ويصح أن يُقال: اجتمع زيد وعمرو، واجتمع زيد مع عمرو. وقد أجاز الكسائي وأصحابه: اختصم زيد مع عمرو».
ولست أرى إجازة اللجنة موفقة اعتمادًا على أن الاستواء مثل التباري؛ إذ ليس ذلك صحيحًا، والمعنى مختلف فالفعل في (تبارى) مسند إلى متعاطفين وفاعله متعدد، وأما الفعل (استوى) ونحوه في باب المفعول معه لا يسند الفاعل إلى متعدد بالضرورة، تقول: سرتُ والجبلَ، فليس الجبل بسائر، وكذلك في: استوى الماءُ والخشبَ ليس الخشب بمسـتوٍ بل الاستواء للماء وحده، وأما إجازة الكسائي وأصحابه فقد خالفة فيها الفراء من الكوفيين وغيره فليست إجازته كافية لتصحيح الاستعمال، و(مع) في تلك الجمل ظرف دال على المصاحبة فمعنى تبارت مصر مع بعض الفرق: تبارت مصر في صحبة بعض الفرق، واختصم زيد مع عمرو تعني اختصم زيد في صحبة عمرو. وهكذا يكون تبارى وخاصم أسندا إلى فرد لا متعدد وهو موضوع النزاع.
ص62 «يخطّئ بعض الباحثين مثل قولهم: (تمكث في القرية ثلاثة شهور) ويرون أن الصواب أن يقال: (ثلاثة أشهر) وحجتهم في ذلك أن مميز الثلاثة إلى العشرة يجب أن يكون جمعًا مكسرًا من أبنية القلة، ولا يكون من أبنية الكثرة إلّا فيما أهمل بناء القلة فيه كرجال وجوار أو كان له بناء قلة شاذ قياسًا كقروء، وسماعًا كشسوع؛ إذ أن أشساعًا قليلة الاستعمال. وترى اللجنة أن صيغ جمع القلة والكثرة تتبادلان فتأتي إحداهما موضع الأخرى مجازًا. وعلى هذا فكلا التعبيرين صحيح، وإن كان الأكثر هو قولهم: (ثلاثة أشهر)».
والصواب كسر (إن) بعد (إذ) لأنّ (إذ) مثل (حيث) ملازمة للإضافة إلى الجملة ومتى كانت الجملة المصدرة بإنّ بتقدير الجملة لا بتقدير المفرد وجب كسر همزتها، قال ابن هشام «تتعين (إنَّ) المكسورة حيث لا يجوز أن يسد المصدر مسدها ومسد معموليها، و(أنَّ) المفتوحة حيث يجب ذلك، ويجوزان إن صح الاعتباران. فالأول في عشرة، وهي ... أو تالية لحيثُ نحو: (جلست حيثُ إنَّ زيدًا جالس)، أو لـ(إذ)، كـ(جئتك إذْ إنَّ زيدًا أمير)»(1).
ولست أوافق اللجنة في عدّ تبادل القلة والكثرة من قبيل المجاز، وإنما من قبيل تخلف غرض تعيين الدلالة على القلة أو الكثرة، ولذا يستغنى بأحدهما عن الآخر، قال ابن عقيل «قد يستغنى ببعض أبنية القلة عن بعض أبنية الكثرة كرِجْلٍ وأرْجُلٍ، وعُنُقٍ وأعْناقٍ، وفُؤادٍ وأفْئدةٍ، وقد يستغنى ببعض أبنية الكثرة عن بعض أبنية القلة كرَجُلٍ ورِجالٍ، وقَلْبٍ وقُلوبٍ»(2). ومعنى الاستغناء هنا أنّ من الأسماء ما جاء على أبنية القلة وحدها، ومنها ما جاء على أبنية الكثرة وحدها. ولكن ربما استعمل بناء الكثرة للقلة كما في قوله تعالى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ}[البقرة-228]، جاء في العين «وقال الله- عز وجل-: ثَلاثَةَ قُرُوءٍ، لغة، والقياس أَقرُءٌ»(3)، ويؤثر السياق في دلالة الجمع على كثرة أو قلة(4).
... ... ...
(1)ابن هشام، أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، تحقيق: محمد محيي الدين عبدالحميد، المكتبة العصرية/ بيروت، 1: 333-335.
(2)ابن عقيل، شرح الألفية، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، ط20، دار التراث/ القاهرة، 1980 م. 4: 114.
(3) الخليل بن أحمد، العين، 5: 205. وانظر: وسمية عبدالمحسن المنصور، صيغ الجموع في القرآن الكريم، مكتبة الرشد/ الرياض، 2004م، 2: 95.
(4) وسمية عبدالمحسن المنصور، صيغ الجموع في القرآن الكريم، 2: 93.