قاسم حول
الفيلم الفلسطيني المعنون «3000 ليلة» للمخرجة الفلسطينية المقيمة في لبنان «مي مصري» وبعد أن تجول حراً في أنحاء العالم بضمنها الولايات المتحدة الأمريكية، وحاز في كل جولاته على ثلاث وعشرين جائزة وبضمنها جوائز من مهرجانات سينمائية في أمريكا، تقرر عرضه في العاصمة الإيطالية روما. ولقد تبنى مركز الأرشيف الإيطالي هذا العرض، فاتفق مع إحدى صالات السينما في روما وتم توقيع عقد بين المكتبة الأرشيفية في روما وأصحاب صالة العرض. وقد اختيرت الصالة لموقعها وهي تتسع لما يقرب من خمسمائة مشاهد. وتم الإعلان عن الفيلم وأصبح جمهور روما مهيئا لمشاهدة الفيلم بعد أن تحدد موعد العرض، فوجئ مركز الأرشيف بامتناع صالة السينما عن عرض الفيلم، وأتضح لاحقاً بعد اعتراض مركز الأرشيف على القرار أن السفارة الإسرائيلية في روما قد ضغطت على صاحب الصالة لكي يمتنع عن عرض الفيلم، بدعوى أن الفيلم يحمل أفكاراً عنصرية معادية للسامية.
لقد شاهدت فيلم المخرجة الفلسطينية «مي مصري» في مهرجان «مالمو للسينما العربية» والذي تدعمه بلدية مدينة مالمو بقوة لأهميته الثقافية والفنية، وتم عرض الفيلم أمام جمهور السويد، وقد حضرت النقاش بعد العرض ولم يتطرق أي من المشاهدين إلى الجانب العنصري في الفيلم ولا إلى معاداة الفيلم للسامية. الفيلم يحكي قصة شابة فلسطينية تعتقل من قبل قوات الأمن الإسرائيلية ولم تكن تعرف أن ثمة جنيناً يولد في رحمها من زوجها، وتعيش مدة السجن، فيولد الطفل في السجن ويبقى معها وهو لم ير سوى جدران السجن، وتظل الشابة ترعى وليدها وتساعدها السجينات. لحين أن يطلق سراحها مع الطفل فيرى نور الحياة خارج السجن.
الفيلم يصور معاناة المرأة مع قوات الشرطة وحراس السجن، ولقد تمكنت المخرجة الفلسطينية «مي مصري» من تصوير هذه المعاناة بمستوى فني رفيع، وقد حصلت على دعم من عدة بلدان عربية ساعدتها في تنفيذ الفيلم.
كان الفيلم يحصد الجوائز التقديرية أينما عرض، ولكن موقف السفارة الإسرائيلية في روما حال دون عرض الفيلم، ما اضطر مكتبة الأرشيف الإيطالية لعرض الفيلم في الصالة الصغيرة للمركز والتي لا تستوعب خمسين مشاهداً.
دلالة هذا الموقف يتمثّل في تأثير الفن في الجانب وقوته على المتلقي، ومعرفة السلطات الإسرائيلية بما يمكن أن تتركه السينما والثقافة السينمائية من تأثير على المتلقي وعلى السياسة الإسرائيلية. في جانب آخر يلمس المثقف مدى قدرة إسرائيل من التأثير على الواقع العربي والعالمي من خلال الحصار الذي يمكن أن تفرضه على الثقافة والثقافة السينمائية. ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها الأفلام العربية على المحاصرة سواء في المهرجانات السينمائية أو في مؤسسات التلفزة في أوربا وأمريكا. وحين حصلت على سبيل المثال مجزرة صبرا وشاتيلا في لبنان فإن كل مؤسسات ومحطات التلفزة في العالم دونما استثناء صارت تبث أفلاما عن اضطهاد النازية لليهود، لخلق حالة من التعاطف مع إسرائيل والتغطية على أخبار جريمة المجزرة التي راح ضحيتها أكثر من ألف وخمسمائة إنسان فلسطيني ولبناني.
لم يكن فيلم المخرجة «مي مصري» عنصرياً ولم يكن معاديا للسامية بأي شكل من الأشكال. وهو فيلم يعكس حياة السجون ومعاناة امرأة فلسطينية دخلت السجن وكانت حاملا .. فأنجبت مولوداً جديدا أصبح سجينا دون أن يعرف شيئا عن الحياة. هذه هي فكرة الفيلم .. وهكذا حالت إسرائيل دون معرفة جمهور إيطاليا حقيقة ما يجري. فيلم ثلاثة آلاف ليلة .. نوع من الأفلام الملتزمة والهادفة بعيدا عن سينما شباك التذاكر .. ولكنه حقق لشباك التذاكر جمهورا واسعا، على عكس ما يتصوره المنتجون من أن الأفلام الهادفة ليس له جمهور تغطي كلفة الإنتاج.