سعيد الدحية الزهراني
هل سنشفى قريباً من مرض الوهم المبرمج؟! أم أننا لن ننتبه إلا بعد فوات الفرصة حين لا جدوى ولا حيلة؟! أسوق هذا السؤال المسكوب من صميم الإحساس بالخدعة التي كنا ولا نزال نعيش سكرة التسليم بها والاستسلام لها.. دون أي محاولة لمساءلتها وخلع ردائها السقيم الذي شوه أجسادنا وكسا وجوهنا بألوان ليست لنا ووصمنا بطوع اختيارنا وإرادتنا خيبة الخيانة دون أن نخجل من «وهمنا المبرمج» حين لا ننظر إلى شباب وشابات الوطن سوى أنهم قطعان هائمة خاملة لا تجيد العمل ولا تؤمن بالانضباط ولا تبادر إلى الإنتاج ولا تتمثل قيم العطاء والمشاركة والإسهام الخلاّق..
مشكلتنا الأولى تتمثل فينا نحن.. علينا أولاً أن ندرك حقيقة المرض المصابين به.. مرض الوهم المبرمج.. حين أوهمنا الوافد (أستثني ولا أعمم.. فبعض الوافدين الأوفياء بقلب وطني نبيل) عبر برمجة ممتدة لعقود مضت بأن الشاب والشابة السعوديين لا يصلحون لأكثر من النوم والكسل والخمول وإعطاء الأوامر.. وأننا دون العامل الوافد لن نكون شيئاً أبداً.. سلمنا بهذه الفكرة وبرمجنا عليها فتمكن منا هذا الوهم المبرمج دون أن نكلف أنفسنا ولو بسؤال عابر عن حقيقة هذه الحال..
في معرض الرياض الدولي للكتاب الذي أسدل ستاره السبت المنصرم.. خرجت بحقيقة ما أصابنا من وهم مبرمج.. عمل في المعرض أكثر من 800 شاب وشابة متطوعين ومتطوعات دون أي مقابل مادي.. عمل معي منهم في لجنة الإعلام والمعلومات التي تشرفت بالإشراف عليها بالإضافة إلى عملي نائباً لمدير المعرض أكثر من 65 متطوعاً ومتطوعة، جلهم من طلاب الجامعات ومن المتخرجين حديثاً..
ما قدمه هؤلاء الشباب كان دهشة كاملة التكوين لي ولكل العاملين والعالمين بأمرهم.. خلق جم وانضباط كامل وعقول متفتحة وطاقات عالية ونقاء نبيل تجاوز أسقام التصنيف والتطييف والأحكام المسبقة..
المؤسف أننا لا نملك إلى اليوم مظلة رسمية تنظم عملهم وتحفظ حقوقهم وتقدم عطاءهم النبيل للوطن وللمجتمع وللإنجاز بصورة أكثر وعياً وتخطيطاً واستثماراً..
شباب وشابات بلادنا الغالية طاقة وطنية عالية وثروة لا تقدرها الأوزوان.. توجيههم واستثمار صدقهم واجب.. وتنمية مهاراتهم وصقل تجاربهم حق.. فهل نبادر إلى استثمار هذه الثروة الوطنية العظيمة أم نستمر في إهدارها عبر مرضنا المزمن «الوهم المبرمج» هذا المرض الذي أنهك البلاد وأوجع العباد..