د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
بعد دمج وزارة الصناعة والطاقة والثروة المعدنية في وزارة واحدة التي تتوافق مع رؤية المملكة 2030 أي عصر ما بعد النفط وأن يظل النفط أحد مداخيل الدولة بدلاً من الدخل الوحيد خصوصًا أن الدعوات السابقة في خطط التنمية التي كانت تدعو إلى تنويع مصادر الدخل من أجل الحفاظ على الثروة الناضبة للبترول باعتبار أنها حق أيضًا للأجيال المقبلة، بينما حاليًا اختلفت الرؤية واختلفت النظرة حيث إن المملكة لم تعد دولة محلية، بل أصبحت تواجه تحديات إقليمية وعالمية وهي إحدى دول العشرين ما يعني أن عليها أن تواكب تلك التغيرات ودعم هذا التغير انخفاض أسعار البترول، حيث تدرك السعودية أن أسواق النفط تحتاج إلى وقت للتعافي وأن عليها تصنيع السلع كهدف للتحول الوطني.
من أهم تلك التحديات أن القطاعات الصناعية تأثرت برفع الدعم عن أسعار الوقود بسبب أن المملكة في صدد دخول شركات عالمية إلى السوق السعودي وهي غير معتمدة على أسعار الوقود المدعوم، والدولة عليها أن تساوي بين الشركات الأجنبية والمحلية فترتفع فاتورة الدعم، وستعاني مشكلة أخرى في التصدير بوضع الدول المستوردة ضرائب باهظة بحجة أن تلك الصادرات تدخل ضمن عملية الإغراق بسبب أنها تتلقى دعمًا في المملكة العربية السعودية فتكون الخسارة على الدولة مركبة، فيما رفع الدعم سيحرر السوق وفق تنافسية السوق حتى لا تتعثر الصادرات السعودية.
حيث إن التنافسية لا يعني الاعتماد على البيع محليًا وإنما يشمل القدرة على المنافسة في السوق العالمية من خلال تعزيز قدرات المصانع في المملكة للتصدير والتنافسية في العالم.
تعد الصناعة أحد المحركات الرئيسة لتحقيق الرؤية، خصوصًا أن المملكة تمتلك قاعدة أساسية تتمثل في صناعة البتروكيماويات والبلاستيك وتتبوأ مكانة متقدمة جدًا عالميًا، إِذ تعد المملكة ضمن الدول الخمس حيث يتم إعادة تصدير أكثر من 14 مليون طن من المبلمرات إلى خارج المملكة وهي صناعة مدعومة وتواجه تحديات الإغراق في عدد من الدول، ولا يتم التصنيع المحلي منها إلا جزء بسيط جدًا يقدر بنحو ثلاثة ملايين طن ذات القيمة المضافة.
ورفع مستوى التصنيع المحلي لرفع الاستفادة من المواد الخام المحلية المدعومة لتعظيم قيمتها المضافة لتحقيق الاستفادة من توسيع القاعدة الصناعية وفتح أسواق جديدة للصادرات يتم ذلك من خلال دخول شركات عالمية تمتلك خبرات تكنولوجية وأسواق عالمية تتحول إلى مظلة لإنشاء مصانع صغيرة ومتوسطة القادرة على توليد الوظائف، أي أن أرامكو غيرت المجرى الصناعي على المستوى العالمي وكذلك موجة الاستثمارات قبل 40 عامًا عندما أطلقت الصناعات البتروكيماوية ومراكز التكرير في الجبيل وينبع إضافة إلى الاستثمارات الكبرى في المملكة في رابغ ورأس الخير.
خصوصًا أن أعداد المصانع المتخصصة في البلاستيك تصل إلى نحو ألف مصنع من أصل 7700 مصنع أغلبيتها بين المتوسطة والصغيرة وحققت قيمة مضافة عالية جدًا وهي بحاجة إلى دعم وتوجيه لتصبح كبيرة عالميًا، خصوصًا أنها تعاني من التمويل فيما أن المصارف الإسلامية تنمو في 60 دولة حول العالم وأصولها تتجاوز 1.5 تريليون دولار، وتحتل السعودية المركز الأول في الصيرفة الإسلامية بأكبر أصول مصرفية تتجاوز 175 مليار دولار، والصكوك هي أهم أدوات التمويل ليس فقط في قطاع الصناعة بل حتى البنية التحتية.
كما رفع صندوق التنمية الصناعية مخصصاته إلى 2.4 مليار دولار، تسعة مليارات ريال بزيادة ستة مليارات ريال كمرحلة أولى وتحديد حجم الزيادة في المرحلة اللاحقة بعد الانتهاء من الدراسات التي تجري حاليًا من أجل تصنيف الصناعات الاستراتيجية التي يمكن الحصول على تمويل من الصندوق يصل إلى 70 في المائة من رأس المال، وكذلك توفير التمويل للصادرات السعودية من خلال التوسع في برنامج الصادرات.
هدف رؤية المملكة 2030 تعزيز القيمة المضافة لقطاع التوريد حتى لا تبقى السعودية دولة مصدرة فقط لخام البترول، فبدأت بمرحلة اكتفاء 2016 الذي نظمته «أرامكو» ويمثل نموذجًا رياديًا ضمن سلسلة جهود كبرى أطلقتها مؤسسات وطنية وتوقيع اتفاقيات مع شركاء استراتيجيين من القطاع الخاص الوطني والعالمي لتعزيز المستوى المحلي للمشتريات والإنتاج، وسيقدم مردودًا آمنًا وفرصًا مجزية وطويلة الأجل للمستثمرين من داخل وخارج المملكة، خصوصًا أن إجمالي واردات المملكة من السلع والخدمات عام 2015 بلغت تريليون ريال (266) مليار دولار موزعة على سلع استوردتها بقيمة 665 مليار ريال وخدمات بقيمة 340 مليار ريال.
إِذ يمكن توطين وارداتها من أجل رفع مستوى المحتوى المحلي 50 في المائة في عام 2021 و59 في المائة بحلول عام 2025 لتتجاوز الـ70 في المائة في عام 2030 خصوصًا أن حجم نمو الواردات سيصل إلى 1.5 تريليون ريال خلال عام 2017 وصناعة السيارات والإلكترونيات والأجهزة المنزلية والمعدات الطبية والأدوية وغيرها من القطاعات.
ووقعت شركة أرامكو على هامش منتدى اكتفاء 2016 عددًا من الاتفاقيات مع شركاء استراتيجيين كمشروع روان المشترك لتملك أجهزة حفر بحرية وإدارتها، ومشروع أرامكو السعودية- نابورس المشترك لتملك أجهزة حفر برية وإدارتها وتشغيلها، ومذكرة تفاهم بين «أرامكو» السعودية وسيمنس لتأطير الجهود التعاونية في معالجة الوقود، كما وقعت «أرامكو» السعودية أيضًا اتفاقيات في مجال تطوير التصنيع المحلي مع شركة خدمات الطاقة في الجبيل، وأرسيلورميتال الجبيل لأنابيب النفط، واتفاقية منفصلة مع شركة باور سيستمز اليابانية لكابلات البحرية.
كما كشفت هيئة المساحة الجيولوجية السعودية عن طرح خطة مشروعات استغلال المعادن الخام في السوق السعودية أمام القطاع الخاص بدلاً من استيراد هذه المعادن من الخارج، وتعزيز التعاون بين المستثمرين في المعادن والتعدين وتعزيز العلاقة بالصناعات المعدنية والتصنيع وتزويد المستثمرين بمعلومات عن حالة وأهمية الموارد المعدنية السعودية، وأيضًا المنتجات الجديدة والأسواق الناشئة خصوصًا بعد الإعلان عن اكتشاف امتدادات كبيرة لمعدن النحاس البورفيري لأول مرة في المملكة في محافظة الدوادمي وتصل هذه الامتدادات إلى محافظة القويعية، وهو ما يمثل رافدًا اقتصاديًا مهمًا ضمن عناصر الثروة المعدنية التي تزخر بها المملكة.
لذلك هي تسعى لبناء بيئة محفزة للأعمال وجاذبة للمستثمرين، مشجعة للقطاع الخاص، وداعمة لتوفير الكفاءات المحلية المدربة والمؤهلة، لتعزيز القدرات التنافسية التي حتما سيكون لها أثر إيجابي في استدامة النمو الاقتصادي في المملكة وفي استقرار المنطقة وإتاحة الفرص لأجيال الغد من أبناء الوطن بنين وبنات للإسهام في بناء المستقبل.
حيث يبلغ إجمالي المساحات الخاصة بالأراضي الصناعية التي تم تطويرها بنهاية عام 2016 أكثر من 190 مليون متر مربع في المدن الصناعية الـ35 التي تشرف عليها مدن والمنتشرة في جميع أنحاء المملكة تستحوذ المنطقة الشرقية على 40 في المائة والوسطى بنحو 26 في المائة والقطاع الغربي بنحو 34 في المائة ويرتبط زيادة تطوير الأراضي الصناعية بزيادة عدد العقود الصناعية والخدمية خصوصًا بعدما خفضت دورة التخصيص إلى مدة لا تتجاوز في أقصاها 20 يومًا.
والتوجه الجديد لشركة أرامكو إطلاق عدد من المبادرات الصناعية على الساحل الشرقي مثل مشروع مدينة الطاقة في جنوب الدمام، وعلى الساحل الغربي مثل مشروع مدينة جازان للصناعات الأساسية، إضافة للسعي لإنشاء عديد من المدن الصناعية الجديدة وجعلها أكثر ملاءمة للصناعات ذات القيمة المضافة وأكثر تخصصًا بواسطة نمط المجمعات الصناعية المترابطة ما يؤسس لمدن صناعية منافسة ومستدامة إضافة إلى أن هناك نية لإطلاق مدينة خاصة لصناعة السيارات وأخرى للصناعات الدوائية وثالثة لصناعات الطاقة الشمسية.
من أجل ذلك تولت «أرامكو» إنشاء 28 معهدًا تدريبيًا تعزز من مهارات وخبرات أبناء الوطن بالتعاون مع المؤسسة العامة للتدريب الفني والتقني حيث تسعى الشركة لتوسيع عدد المعاهد إلى 30 معهدًا تصل الطاقة الاستيعابية لتلك المعاهد إلى 360 ألف متدرب في مختلف المجالات ومنها معاهد البحرية والطيران.