ولاء باجسير - جدة:
في لقاء خاص لـ«الجزيرة» مع الدكتور «محمد علي الحسيني» الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان عن منطقة نفوذ «حزب الله» في لبنان التي تخضع لإجراءات وأنظمة القضاء اللبناني والسجون الذي يمتلكها «حزب الله» الخارجة عن إدارة السجون اللبنانية الرسمية تحدث بوضوح وصراحة وقال ما لم يقله غيره من قبل، وكما جاء في الحديث:
* كيف ترى حكومة لبنان في حماية المواطن اللبناني من الدخول في دائرة القضاء التابعة «لحزب الله»؟
- حكومة لبنان ضعيفة وقائمة على توازنات دقيقة ويشكل حزب الله كأحد ركائزها، وثمة فوضى في هذا المجال، لا يمكن الحديث عن قبول الحكومة بل عن رضوخها للأمر الواقع وذلك بسبب الازدواجية في موقفها، فهي من ناحية سلطة شرعية، ومن ناحية أخرى تعطي المشروعية لسلاح غير شرعي وهو سلاح حزب الله بذريعة مقاومة إسرائيل وهذا السلاح لديه هامش واسع للتحرك. ومن جهة ثانية فإن أجهزة الأمن الرسمية ضعيفة إلى حد ما، ولا تستطيع مواجهة الحزب وهذا ما صرح به أيضاً رئيس الجمهورية عندما قال: إن الجيش ضعيف ويحتاج لسلاح حزب الله!.
* هل حزب الله يصدر أحكاماً ويقوم بتنفيذها على سكان الضاحية الجنوبية؟.. وهل ثمة استقلال قضائي كامل في الضاحية الجنوبية؟.. وما هي مبررات وجوده؟
- ثمة حالات يتولاها قضاء حزب الله، وحالات أخرى يتركها للدولة والقضايا التي يتولاها حزب الله خصوصاً هي التي تتعلق بالأمن وأمور أخرى، ويتعاون أحياناً مع الأجهزة الرسمية لمصلحة ما ومن المعروف أن بعض أجهزة الأمن التابعة للدولة تساعده أحياناً، ويتذرع حزب الله بأن أجهزة الدولة اللبنانية كلها مخترقة من أجهزة استخباراتية عديدة وبالتالي لايثق بها أو على الأقل يتجنب بعضها وفي الواقع أن هذة الأسباب هي مجرد ذرائع للسيطرة على مناطق نفوذه بقوته الخاصة، ونظرياً إلى هذه المناطق التي تخضع لأنظمة القضاء اللبناني، بمعنى أن المواطنين فيها ليسوا كلهم من العناصر الحزبية أو من المؤيدين، فلذلك تتواجد أجهزة الدولة هناك لتنظيم السير وملاحقة بعض المجرمين، ولكن كل ذلك يتم بالتنسيق مع اللجنة الأمنية في حزب الله الذي يسيطر بواسطة جهازه الأمني على المنطقة، وإذا تدَخل لمنع اعتقال أحدهم فإن الدولة لن تتجرأ عليه، وكما في السابق، أي قبل حرب تموز كان هناك ما يسمى المربع الأمني لحزب الله وكان محظوراً تماماً على الأمن الرسمي اللبناني، ولكنه دمر في الحرب، فعمد حزب الله إلى نشر مراكزه وسكن قياداته في كل الضاحية الجنوبية التي أصبحت جميعها مربعاً أمنياً له.
والمعروف أن لحزب الله قضاءه الخاص مثل كل التنظيمات فهو يحاكم عناصره المخالفين لنظامه الداخلي وقواعده الصارمة ويحكم عليهم بعقوبات شتى مثل السجن والطرد وحتى الإعدام كما يحاكم الآخرين غير الحزبيين، وفي حالات نادرة يعمد الحزب إلى تسليمهم للدولة، فأما إذا كانوا من عناصره فلا يسلمهم أبداً، كما أنه يطلب من الأجهزة الرسمية اعتقال شخص مثلاً لمحاكمته إذا كان في الأمر إحراجاً له ولكي يرفع عنه شبهة استهداف هذا أو ذاك.
* برأيك هل الحكومة اللبنانية لديها القدرة على إعادة نفوذها على الضاحية الجنوبية؟ وهل سيكون هناك فاتورة بشرية لهذا؟
- لا يمكن الحديث عن سيطرة عسكرية للدولة على منطقة مثل الضاحية الجنوبية، ذات الكثافة السكانية العالية، وفي ظل الانتشار الكثيف للسلاح مع حزب الله وغيره لقد بينت أحداث برج البراجنة قبل أيام بأن الدولة عاجزة عن السيطرة على حي صغير في هذه المنطقة وهو يشكل بؤرة ترويج للمخدرات وذلك بسبب كثافة السلاح فيها، إن المراكز العسكرية والأمنية لحزب الله هي غالباً سرية وموجودة في الأحياء السكنية، مثلها مثل المقرات العلنية كالمؤسسات الإعلامية والصحية والاجتماعية والدينية، لذلك من المستحيل تحديدها واستهدافها عسكرياً من دون التسبب بمجازر بشرية فلذلك المطلوب العمل سياسياً وإعلامياً واجتماعياً ودينياً من داخل مناطق نفوذ حزب الله لاستقطاب الناس إلى مشروع الدولة وتنبيههم من خطورة الانجرار وراء مشروع ولاية الفقيه الإيراني وسلبيات ذلك والتأكيد على الالتزام بعروبة لبنان والولاء له لا لغيره والبقاء مع أشقائنا العرب وهذا هو دورنا حقيقة وما نقوم به كمجلس إسلامي عربي في لبنان.
* هل «حزب الله» يمتلك سجوناً خارجة عن إدارة السجون اللبنانية الرسمية؟ وما صحة هذه المعلومة؟ وإذا كان نعم؟ فمن يشرف على حقوق السجناء؟
- هناك شبهات حول هذا الأمر، إذ إن أشخاصاً كثيرين اعتقلوا في أماكن سرية في الضاحية، ثم أطلق سراحهم، من دون معرفة أين تقع هذه الأماكن وقد نشرت وسائل الإعلام اللبنانية أخباراً كثيرة من هذا النوع وقد صرح هؤلاء أنهم كانوا على خلافات مع حزب الله فاختطفوا وتم التحقيق معهم، فأما من يشرف على هذه السجون فبالتأكيد العناصر الأمنية المسلحة لحزب الله وذلك حسب إفادات هؤلاء المواطنين، وليس سراً أن حزب الله يتولى مهاماً أمنياً في الضاحية وغيرها، وقد برز هذا الأمر جلياً خلال موجة التفجيرات التي استهدفت مناطق نفوذه، فقد نشر عناصره المسلحة وأقام الحواجز على مقربة وعلى مرأى من حواجز الجيش والأمن الرسمي في لبنان.
* هل فعلا ًما يُقال إن الضاحية الجنوبية تتبع مرجعيات دينية (تشريعات وإفتاء) في إيران؟ وهل أصبح من يسكن الضاحية الجنوبية مواطناً إيرانياً يقيم في لبنان؟
- عند الشيعة في جميع أنحاء العالم يمكن لأي إنسان أن يتبع دينياً أياً من المراجع الدينية الشيعية ومنها رجال دين إيرانيون، ولكن هذا لا يعني أنهم أصبحوا مواطنين إيرانيين في لبنان، فالمرجعية السياسية يجب أن تكون محصورة بالدولة اللبنانية والولاء الوطني لها ولا يجوز الولاء لغيرها فيعتبر خيانة عظمى. ومن ناحية أخرى ليس كل مواطني الضاحية يتبعون مرجعيات إيرانية ويخضعون لولاية الفقيه، فهناك مرجعيات دينية أخرى غير إيرانية مقلدون في لبنان، وفي واقع الأمر أن ما يجري في الضاحية ومناطق نفوذ حزب الله عموماً هو أن المواطنين يخضعون لسببين، الأول (سطوة السلاح)، والثاني (إغراءات المال الإيراني).
* قام الرئيس «عون» بزيارة دول الخليج لعودة العلاقات لوضعها الطبيعي -فهل باعتقادك أن «حسن نصرالله» أفشل تلك الزيارات بخطابه الأخير حينما تهجم على دول الخليج لتعود الأمور إلى نقطة الصفر- وبرأيك هدف هذا الخطاب يصب في مصلحة من؟
- بالتأكيد ليس من مصلحة حزب الله أن تعود العلاقات الخليجية والعربية مع لبنان إلى طبيعتها وهذا واضح وقد تعمد نصرالله اطلاق هذه الخطابات لإفشال مفاعيل زيارات الرئيس «ميشال عون» وفي الوقت نفسه وضع حدود لحركة رئيس الجمهورية، وبطبيعة الحال فإن دعم حزب الله لانتخاب عون رئيساً لم يكن من دون شروط، وأهمها البقاء في المحور المعارض لدول الخليج العربي، بالرغم من أن طبيعة عون يرفض الخضوع للشروط، ولعل حزب الله استشعر خطر تحرر رئيس الجمهورية من التفاهم القائم بينهما، فأراد تذكيره بالأمر الواقع وهذا العمل مثل كل أعمال حزب الله هو لمصلحة إيران، فهي الأساس، والحزب ليس إلا ذراعها اللبنانية وطهران تعتبر أن لبنان هو أحد قواعدها المتقدمة في المنطقة ومن غير المسموح أن تكون لدول الخليج فيه أي مواقع أو نفوذ، وذلك في إطار الصراع الإقليمي المفتوح.
* كيف ترى دور النظام الإيراني في دعم جيش حزب الله في لبنان وسوريا؛ وما هي الخسائر الذي خسرها حزب الله؟
- الخسائر فادحة في صفوف حزب الله وخاصة من الكوادر العسكرية من الجيل القديم صاحب الخبرات والتجارب العسكرية، ولكن من الدلالات على حجم الخسائر أن الحزب الآن أخذ إجراءات تنظيمية يحاول الحد من استنزاف جهازه المقاتل أي المحترفين أصحاب الخبرات الطويلة في القتال وذلك عبر تجنيد الشبان والفتية، وقد لوحظ مقتل الكثير من هؤلاء نظراً لقلة خبرتهم القتالية أو حتى انعدامها. فأما السؤال عن دعم إيران لجيش حزب الله فهو غير دقيق، فالأصح القول هو أن حزب الله جزء من الجيش الإيراني نفسه الذي ينفذ مهماته القتالية التي لا يستطيع القيام بها لأسباب شتى وإيران كدولة تلتزم بعض حدود اللياقات الدبلوماسية والأصول الدولية، فلا ترسل جيشها كلما اقتضت الحاجة إلى هذه الدولة أو تلك، إذا كان لديها البديل داخل هذا البلد، أو بجواره، فإن حزب الله كميليشيات مسلحة يحظى بدعم مالي وعسكري إيراني مفتوح بطبيعة الحال.
* هناك نداءات خليجية لطرد قوات الحرس الثوري الإيراني من بعض الدول وخصوصاً سوريا -وحتى الآن لم يتم تنفيذ هذا الطرد- هل أنت من مؤيدي هذا الطرد؟
- نحن بالتأكيد ضد أي وجود تدخل أجنبي على الأراضي العربية، وأما في سوريا يوجد احتلال إيراني سافر يتمثل بوجود الحرس الثوري الإيراني وميليشيات حزب الله وغيرها، وكان هذا من الأسباب الرئيسية لإجهاض الثوة السورية ولا خلاص في سوريا إلا بطرد هذا الاحتلال وغيره من الاحتلالات التي تقمع الشعب السوري وتقتله.
* يوجد ملف مطروح على طاولة المجتمع الدولي وكذلك اللوبي الإيراني في أمريكا على إدراج اسم الحرس الثوري الإيراني على لائحة الإرهاب الدولية؛ فما رأيك في هذا؟
- ينبغي إدراج الحرس الثوري الإيراني على لائحة الإرهاب وثمة أدلة كثيرة على تورطه بأعمال إرهابية وهذا ما كشفته اعترافات المجموعات الإرهابية التي أرسلها إلى البحرين والكويت والإمارات وغيرها، والتي قبض عليها وحوكم أفرادها وقد كان لافتاً في تلك الاعترافات بأن السفارات الإيرانية متورطة في الأمر، يعني أن كل النظام الإيراني متهم وليس فقط الحرس الثوري. وخطوة تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية ستشكل ضربة قاصمة للنظام الإيراني، فالمعروف عن الحرس الثوري أنه المؤسس الأقوى في البلاد، ويمتلك اقتصاداً خاصاً به، وقدرات مالية هامة مسلوبة من الشعب الإيراني، بحيث يستطيع الهيمنة على كل مفاصل النظام في الداخل، وعلى كل الأذرع الإيرانية في الخارج.
* كشفت المقاومة الإيرانية مراكز تدريب الحرس الإيراني في مؤتمر صحفي بواشنطن مؤخراً ما هو رأيك فيه؟ وما هو دور المقاومة في كشف التدخلات الإيرانية في المنطقة؟
- بطبيعة الحال فإن المقاومة الإيرانية الوطنية أقدر من غيرها على كشف خبايا النظام الإيراني ومنظومته الأمنية، وكلنا ثقة بما أوردته المقاومة في هذا المجال ونحن نقف بحزم إلى جانب مقاومة الشعب الإيراني من أجل إسقاط نظام ولاية الفقيه، وتحرير الشعب الإيراني من ظالميه ولعل ما تكشفه هذه المقاومة باستمرار عن ممارسات النظام، وأساليبه الإرهابية، ومخططاته الخارجية في تدخلاته وزعزعة استقرار جيرانه، هو خطوة ضرورية لاقناع العالم الحر بعدم التعاون مع هذا النظام، وبضرورة تضييق الخناق عليه، بدلاً من فتح أبواب العواصم الغربية أمام وفوده، لأسباب مصلحية بحتة.