د. أحمد الفراج
تميزت أيدولوجية اليسار العربي بأطروحاتها البائسة، ومن هذا اليسار تعرّفنا على مفردات خاصة في الطرح السياسي، وأعني هنا مفردات «الإمبريالية»، و»البترودولار»، و»الرجعية»، وكانت هذه المفردات وغيرها تطلق على دول الخليج العربي تحديداً، فقد تخصص اليسار العربي بشتم الخليج وأهله، وجاء زمن كان بعض أهل الخليج، أو أهل الجزيرة العربية، ممن انخدعوا بشعارات اليسار، يرددون ذات العبارات، ويتغنون بها، ظناً منهم أن هذا سيشفع لهم عند مثقفي اليسار، ومن يطلع على بعض قصائد الشاعر الكبير نزار قباني، يستطيع أن يلتقط تلك المفردات، التي كان يعرّض فيها بعرب الخليج، أو «الأعراب»، كما كان يسميهم، فقد تخصص بذلك، بعد هزيمة العرب، في حرب 1967، وهذه كانت مثلبة في شعر قباني، الذي يعتبر أفضل شعراء العصر الحديث بلا منازع.
لم يشفع لدول الخليج العربي عند اليسار العربي أنها كانت سنداً لكل الدول العربية، ولم يشفع لها دعمها المطلق للقضية الفلسطينية، إذ كانت دول الخليج تدعم بالمال، وبالمواقف السياسية القوية، التي جعلتها تدخل في أزمات مع حلفائها الغربيين، وتخسر الكثير، وفي الوقت الذي كانت المملكة ومنظومة الخليج تدعم كل القضايا العربية فعلاً لا قولاً، كان اليسار العربي يتجاهل كل ذلك، ويتغنى بأمجاد وبطولات وهمية لبعض الدول العربية، ولبعض الزعماء العرب، الذين لم يقدموا للعرب وقضيتهم معشار ما تقدمه دول الخليج، إذ لم يقدم أولئك الزعماء غير الخطب الغوغائية، والمهاترات التخديرية، ومن يرجع إلى سجل خطب صدام حسين ومعمر القذافي يرى ما أتحدث عنه بكل وضوح، والغريب أن المملكة ومنظومة دول الخليج العربي كانت تتهم بأنها عبارة عن بئر نفط، وكأن العراق وليبيا ليستا دولتين نفطيتين، ولكنه هوى اليسار المأزوم.
تاريخياً، كانت المملكة، وبمساندة من جيرانها في الخليج، هي الحضن الذي يلجأ إليه الجميع، من الخليج إلى المحيط، فبعد هزيمة 1967 كانت المملكة هناك، لتداوي جروح مصر، وعندما تورّط القذافي مع العالم على خلفية حادثة لوكربي، كانت المملكة هي من أنقذه من ورطته الخانقة، وعلينا أن نتذكّر أنه عندما احتل صدام دولة الكويت، كان هناك أكثر من مليونين من إخوتنا الفلسطينيين يعيشون في الكويت، ورغم كل ذلك، فقد وقف اليسار العربي ضد قرار تحرير الكويت، وصفق لصدام حسين، ومن منا لا يذكر أهزوجة اليسار، التي أجهزت على ادعاءات العروبيين اليساريين: «بالكيماوي يا صدام.. من الكويت للدمام»، ورغم أن اليسار العربي فقد معظم بريق شعاراته البائسة مؤخراً، إلا أن هناك من أبناء الخليج من لا يزال يلاحق تلك الشعارات الفارغة، رغم كل الفشل الذريع لهذه الأيدولوجية، التي لم تعد تناسب العصر، ولئن كان اليسار العربي على هذا القدر من البؤس، فإن اليسار الغربي ليس بأفضل حال منه، فقد ظهر اليسار الأمريكي على حقيقته، بعد فوز ترمب برئاسة أمريكا، وسنتطرق لذلك في المقال القادم.