د. عبدالواحد الحميد
ليس سراً أن المصانع السعودية، كجزء من شركات ومؤسسات القطاع الخاص، غدت تواجه أوضاعاً صعبة بسبب الحالة الاقتصادية العامة، بالإضافة إلى زيادة رسوم الخدمات وزيادة أسعار المدخلات وعناصر الإنتاج.
هذه المصانع هي ثمرة كفاح أجيال من أرباب المؤسسات العائلية، أو ثمرة جهود بعض المبادرين الشباب الذين فضّلوا العمل الحر على الوظيفة الحكومية وأنشأوا معامل ومصانع صغيرة كبرت مع الوقت، أو شركات مساهمة أنشأت مصانع وصارت ملكاً لحملة الأسهم من المواطنين.
وقد سمعت من بعض أصحاب هذه المصانع شكاوى مريرة عن المعاناة التي تتعرض لها تلك المصانع لأنها وجدت نفسها في ظروف صعبة لم تكن في الحسبان عندما تم إنشاؤها فلم تجد الآن من الخيارات سوى إعادة النظر في منتجاتها وأسواقها، بل والتخلص أحياناً من بعض عمالتها وإغلاق بعض خطوط إنتاجها. وقد أخبرني أحد أصحاب تلك المصانع أنه كان بصدد البدء في إنشاء مصنع جديد بالشراكة مع شريك أجنبي بعد اتضاح الجدوى الاقتصادية من المشروع لكنه قرّر الآن عدم المضي في إقامة المصنع لأن المشروع لم يعد مجدياً بعد ارتفاع تكاليف الإنتاج.
ما يحدث هو، بالطبع، جزء من التغيّرات الهيكلية في اقتصادنا الوطني. وقد كان الاقتصاديون يتحدثون منذ زمن طويل عن هشاشة البنية التي تقوم عليها الكثير من منشآتنا الاقتصادية المعتمدة بشكل أساسي على الأسعار المدعومة لعناصر إنتاجها وعلى القروض الميسرة ومختلف أشكال الدعم الحكومي والعمالة الوافدة ذات التكلفة الرخيصة.
وقد حذّر الاقتصاديون مراراً وفي مختلف الندوات والمؤتمرات والمناسبات أن هذا الوضع الهش لا يمكن أن يدوم طويلاً وأن على القطاع الخاص أن يصل عاجلاً أو آجلاً إلى مرحلةِ نُضجٍ يعتمد فيها على نفسه وعلى قدرته التنافسية وأنه كلما حقق هذا النضج مبكراً كان ذلك أدعى لسلامته واستدامته.
ربما تكون التطورات الأخيرة تسارعت أكثر مما ينبغي من وجهة نظر البعض وبخاصة أصحاب المصانع المهددين بارتفاع التكاليف وبالمنافسة الشرسة من بلدان كالصين، لكن الكل كان يعرف أن الخلل الهيكلي في اقتصادنا كان سيصل بنا إلى نقطة نتوقف عندها ونراجع أنفسنا لاستحالة الاستمرار اعتماداً على الدعم الحكومي وعلى العمالة المستقدمة الرخيصة.
وقبل أيام بادرت اللجنة الصناعية في الغرفة التجارية بالشرقية إلى إقامة ورشة عن «رفع مستوى الإنتاجية في المصانع»، وأعتقد أن مثل هذه الورشة ستكون مفيدة جداً إذا ما أُحْسِن إعدادها وكانت ذات منحى عملي. كما أن الغرف التجارية الأخرى يمكن أن تسهم في تعميم الوعي بأهمية رفع إنتاجية المصانع من خلال ورش عمل وأنشطة تنظمها اللجان الصناعية في تلك الغرف.
التحديات التي يمر بها القطاع الصناعي ضخمة بسبب ارتفاع أسعار الخدمات وعناصر الإنتاج، لكن القطاع الصناعي لن يحل مشاكله بالشكوى وحدها وإنما بإيجاد الحلول التي تؤدي إلى رفع الإنتاجية وتقوية القدرة على المنافسة. وهذا هو المنتظر في المرحلة القادمة.