مما لا شك فيه أن كلّ ممنوع مرغوب، حتى لو أن ما مُنع كان شيئًا طبيعيًا واعتياديًا ولا يصل لمرحلة بسيطة من الاهتمام لمن يُتاح لهم هذا الأمر «أيًا كان»
المنع بمختلف مصطلحاته، وطُرق فرضه كثيرًا ما يثير في النفس الفضول والتساؤل، مرورًا بالتلهّف، وصولاً لرغبة عارمة في التمرد وتجاوز الخطوط الحمراء الملزومة على الفرد بغض النظر عن عمره.
وأخص في حديثي عمّن لا رادع له سوى المنع المُقام عليه فرضًا في المحيط الذي يعيش فيه.
أما عن أنواع المنع؛ فهناك في كل محيط ما يستوجب منعه حسب المعايير التي تنطلق منها تلك البيئة، وهناك ما يُستغرب منعه حتى لو كانت تنافي تلك المعايير التي تنطلق منها تلك البيئة.
ولعلي أُعطي مثالاً لتلك الكُتب التي تُمنع عندنا وكيف تلفت أنظارنا وأذهاننا من بين بقية الكُتب المتاحة، وأيضًا ما يفعله بعض الكتّاب من اصطناع إشاعات المنع حتى يزدهر سوق كتابه الجديد وتتوجه أغلب الأعين عليه.
وهذا ما قد نوّه عنه الدكتور الأديب غازي القصيبي رحمه الله في قوله: إن أفضل دعاية للكتاب هي القيام بمنعه.
ولن أخرج عن مثالي هذا قبل أن أذكر رأيي فيه والمُتمثل في النتيجة المُشاهدة الآن من قِبل القارئ النهم تجاه هذا المنع وفي ظل هذا الانفتاح الفضائي الشاسع!
هل رضخ القارئ لقرار المنع هذا؟ أبدًا إنما استطاع الحصول على ما يبتغيه من كُتب بطريقةٍ أو بأخرى ولم يكلّفه الأمر جهدًا يُذكر في عصر السرعة الذي نعيشه اليوم.
إذاً ماهي النتيجة المرجوّة من قرار منعٍ لا يفيد إلا الكتاب وكاتبه فقط!
فضلاً عن ذلك؛ أسلوب الوصاية في تقنين القراءة إن أُحكم هذا المنع جيدًا سيصنع لنا مجتمعًا هشًا لا يستطيع استيعاب فكرةٍ جديدة قد غيّبه هذا المنع منها
ولا يقدر حتى على موافقتها أو مخالفتها بالشكل المتزن وبالخلفية العميقة المبنية من قراءةٍ متمحصة حول الفكرةِ إياها.
لماذا لا نعمد إلى مقارعة الحجّة بالحجّة مما يوسّع مدارك القارئ أكثر بدل تقديم الكيّ كأول الحلول وليس آخرها!
لماذا لا نتوجه نحو التوعية، نحو التنوير، نحو التنويه عن إيجابيات الأفكار وسلبياتها، نحو التوصية لا الوصاية، نحو التخيير لا التسيير!
لا أجدها فكرةً ناجحة أن تظل ثقافة المنع ساريةً حتى الآن بدعوى حماية عقل القارئ وقد انفتح أصلاً الآن في عوالم افتراضية تتزايد شيئًا فشيئًا.
لأن المنع هنا مجرّد إجراء وقائي لا يُسمن ولا يغني من جوع، وفي أحيانٍ كثير يخدم الكُتّاب ويسّلط الضوء على كتابٍ ما.
أختم كلامي هذا بما بدأته
هناك في كل محيط ما يستوجب منعه حسب المعايير التي تنطلق منها تلك البيئة، وهناك ما يُستغرب منعه حتى لو كانت تنافي تلك المعايير التي تنطلق منها تلك البيئة.
ولستُ في مقالي ضد منع الكُتب جملةً وتفصيلاً؛ فالكتب التي تضرب كبد العقيدة والكتب التي تستهدف استقرار الشعوب هي أوجب بالمنع من غيرها، وما عدا ذلك فالقارئ أوجب بالتنفس الفكري من غيره.