فهد بن أحمد الصالح
توقّع كل المشهد الرياضي أن ثمة مستقبلاً مشرقاً سيطول قدامى الرياضيين عندما انطلقت فكرة تأسيس جمعية خيرية لهم إلا أن ذلك التطلع ربما دُفن قبل أن يُولد واقتصرت الجمعية على قدامى لاعبي كرة القدم وأصحاب الحاجات تحديداً، ومضى من عمرها المديد سنتان دون تحقيق نتيجة يعلمها المهتمون بالوسط الرياضي ولم ينشر عنها ما يتجاوز أصابع اليدين من الأخبار والزيارات والاتفاقيات واستمرت الصورة الضبابية لهذه الجمعية التي أصبحت أهلية وليست خيرية حسب إستراتيجية وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، ولكن هل تحولت إلى تنموية لتواكب رؤيتها في نقل الجمعيات الخيرية ورسالة الوزارة معها من الرعوية إلى التنموية أم أن الأمر سيبقى مثلما كانت عليه في الأوراق والعناوين فقط وفي التصاريح الإعلامية كذلك، ولقد كانت الرغبة أن تنقل الجمعية اللاعب المعتزل لأي سبب من الحاجة إلى العطاء والاكتساب دون دفعه إلى التسوّل ومد اليد والتشكي وكسر كبريائه عن طريق إعادة تأهيله وتدوير خبراته لينطلق إلى التدريب الميداني أو الأكاديمي أو التعليق والتحليل الرياضي أو إدارة الفريق أو إدارة شؤون اللاعبين وغيرها من المجالات التي يحتاجها المجتمع الرياضي بكثرة ويحتاجها اليوم بصورة أكبر اتحاد الرياضة المجتمعية حديث المولد بطموح الكبار، أو تأهيله لكي يكتسب خارج القطاع الرياضي في ظل مستوى تعليمي مقبول عند الكثير من الرياضيين وذلك بإيجاد وتصميم دورات في المهارات الإدارية والتسويقية لأن كيانات الأعمال المختلفة تحتاج للمتخصص حسب المتاح بسوق العمل.
إن الواقع الذي خرجنا به من تلك الجمعية اليتيمة ومع تطلعات وإستراتيجيات ومستهدفات التنمية الاجتماعية لتحقيق محاور رؤية المملكة 2030 ومبادرات التحول الاجتماعي فإن النظرة تدعونا إلى تبني الخروج بعدد من الجمعيات الأهلية التنموية التي تعيد الاستثمار في الإنسان بعد تقاعده أو اعتزاله أو إصابته وبعمل مؤسسي دقيق، فالإنسان لا يقف عن العطاء إلا بموته أو عجزه الكامل ويمكن إعادة الانطلاقة للحياة والعطاء والنفع العام لكل الرياضيين سواء بمقابل مادي إذا كان محتاجاً أو بالتطوع وتحقيق الحديث النبوي الشريف (خير الناس أنفعهم للناس)، ونعلم جميعاً أن الراحة تجلب المرض ودوام النشاط وممارسة الرياضة يجلب دوام الصحة العامة واستمرار البذل والإحسان للآخرين، وفي مجالات التدريب والتأهيل والتثقيف وتسويق الخبرات ستحقق تلك الجمعيات إن كانت مخصصة للعبة أو بصورة عامة الكثير من الإنجازات التي يقرأها أفراد المجتمع بوضوح تام فالحاجة إليها قائمة وتزداد وستجد تلك الجمعيات الأهلية التنموية من يساندها ويرعاها ويدعم أنشطتها وفعالياتها وبرامجها بطريقين: أولها بنك التنمية الاجتماعية التسليف سابقاً الذي سيخصص سنوياً ملياري ريال للجمعيات والمؤسسات واللجان والمراكز الأهلية والتعاونية وسيدعم مشاريع الاستدامة للجمعيات حتى تحقق أهدافها، وثانيها القطاع الخاص الذي أصبحت المسؤولية الاجتماعية لديه تمثّل ثقافة يأمل في نشرها وكذلك في دعم وتبني ما يؤكد خدمة للمجتمع الذي لن تتردد كيانات الأعمال من تقديمها وتخصيص ميزانيات متنامية لها.
وإذا اتفقنا على الحاجة لوجود جمعيات أهلية رياضية تنموية فإن الحاجة كذلك قائمة لإطلاق جمعيات رياضية تعاونية والتي تختلف في لوائحها عن الجمعيات الأهلية غير الهادفة للربح والتي صدر لها تنظيم ولوائح تنفيذية في منتصف العام المنصرم وتتطلع الوزارة أن تحقق قبل عام 2020 زيادة في عددها يبلغ ما نسبته 44 % من العدد القائم حالياً، والجمعيات التعاونية هادفة للربح ولها نظام خاص في توزيع أرباحها وتخصيص 10 % من الربح للعمل الخيري والاجتماعي، وكذلك جزء من الأرباح يعود على المساهمين والباقي يعود كتدوير لرأس المال وزيادة له، وتدعم الجمعيات التعاونية بشكل كبير من التنمية الاجتماعية حتى فاق رأس مال بعضها 100 مليون ريال في غضون سنوات قليلة، والمجتمع اليوم يفتقر بشكل واضح إلى الجمعيات التعاونية الرياضية والتي يمكن أن تنطلق مباشرة في تنظيم سوق الرياضة داخل الأحياء وكذلك استثمار الأراضي بإنشاء ملاعب مختلفة عليها وتأجيرها لفرق الأحياء بالإضافة إلى تسويق الموهوب من اللاعبين على الأندية وتقوم بدور المكتشف للموهبة والذي لم نجد فيه من يتعامل بمهنية رياضية واجتماعية فالأهم نصيب السمسار في الصفقة، كذلك يمكن أن تقدم تلك الجمعيات التأهيل والتدريب وما يناسبها من الترفيه بمقابل للرياضيين و للمشجعين والمساهمة في التثقيف الرياضي ورفع الوعي بين المتابعين له والمهتمين به وتحقيق ما تستطيع من تأصيل ثقافة طرد العنف ونبذ التعصب الذي أخذ من المجتمع المتعة الرياضية ومتابعتها حتى وجد متنفسه في الرياضة الدولية.
ختاماً، الدولة حريصة -أيّدها الله- على دعم العمل الأهلي والخيري والتعاوني وإطلاق المزيد من كيانات النفع العام ومؤسسات المجتمع المدني فإذا انطلقت جمعيات أهلية رياضية أو تعاونية فإنها تستطيع فور صدور ترخيصها أن تتسلّم منحة ملكية بمساحة 2500 متر لتقيم عليها مقراً لها واستثمار الباقي بما يضمن لها الاستدامة، والتنمية الاجتماعية تدعم هذا التوجه مع بنك التنمية الاجتماعي أو من خلال المؤسسات الأهلية المانحة التي تدفع دون شك بانتشار الاستدامة المالية.