رقية سليمان الهويريني
تتردد عبارة (من تمنطق فقد تزندق) برغم وجود علماء عرب ومسلمين قد أثّروا وساهموا بتطوير هذا العلم عبر الزمن منذ العصور الغابرة، إلا أن مناهضة هذا العلم من قِبل بعض المتشددين يثير العجب والتساؤل!
وليس ثمة سبب لتلك المحاربة وتكفير من ينتهجه إلا أن دراسة هذا العلم والتبحر به من شأنه إسقاط عروش بعض الرموز الذين تربعوا على الساحة، واختطفوا العقول وأدلجوها فصارت تابعة، لا تستطيع الفكاك عن التحكم بها!
وكلمة (منطق) في اللّغة اليونانية القديمة تعني (العقل)، أما علم المنطق فهو الذي يبحث ويحلل عبر قواعد وأساليب تفكير العقل البشري، أي أنه العلم الذي يدرس ويحلّل القوانين والقواعد الفكرية. بينما تعني الكلمة في العربية النطق الذي يشير إلى الكلام، والكلام ما هو إلا انعكاس التفكير الذي يجول في عقل الإنسان.
ويعرف العالم «شانر» التفكير المنطقي بأنه (التفكير الذي يمارس عند محاولة تبين الأسباب والعلل التي تكمن وراء الأشياء، ومحاولة معرفة نتائج ما قد تقوم به من أعمال). وربما يمارس بعضنا المنطق دون أن يدري، بل إن الله تعالى قد أمرنا بالتفكر والاستدلال، الذي ينبغي أن تكون نتيجته منطقية وإلا أصبحت غير مقبولة.
إن الشعور بالحيرة والتردد وعدم الاندفاع وحتى الخوف من النتائج حين مواجهة موقف ما يعود للعمليات العقلية، وباستطاعة علم المنطق تفسير المجهول والمبهم وتخفيف التردد، فضلاً عن أنه ينبه المرء من الدخول في طرق السوء؛ لأنها ستؤدي لنتائج وخيمة. ودراسة هذا العلم تساعد على تنظيم الخبرات الذهنية المتوافرة لدى الفرد، وتوجيهها بطريقة سلسة من خلال اختبار ما يتاح أمامه من آراء، وتحليلها، والمقارنة بينها؛ وبالتالي اختيار أفضل البدائل، ومن ثم الوصول إلى حل للمشكلة، أو الإجابة عن التساؤلات الملتبسة إجابةً تريح النفس.
إن تحريم دراسة علم المنطق أو حتى نقاش مضمونه قد أفقد بلدنا وجود مفكرين إلا من تسنت له الظروف بالدراسة خارج المملكة. فلِمَ يحرم الطلبة من دراسة هذا العلم الأساسي والمهم في الدراسات الإنسانية القائم على الاستدلال والربط والتحليل؟! وهو ما لا يمكن تجاوزه أو إهماله أو حتى تجاهله؛ لأن الفكر الإنساني لا يخلو من منطق ضمن أدبياته وأبجدياته وآرائه.