إبراهيم عبدالله العمار
وضعت الأمريكية ويلو ويلسون بعض مذكراتها في كتاب «مسجد الفَرَاشة The Butterfly Mosque»، ويحكي ذهابها لمصر لتدريس الإنغليزية، وتجاربها وانطباعاتها، وهو كتاب لطيف تستمتع فيه برؤية مصر خلال عيني هذه الشابة الغربية التي لم يتجاوز عمرها 21 سنة، لا تعرف شيئاً عن العرب والإسلام إلا ما سقاها إعلامها (ولك أن تتخيل رأيها عنّا معشر العرب والمسلمين قبل وصولها هناك!)، وتتكلم عن لقائها بالشاب عُمَر الذي أحبته وتزوجته هناك، ولم تُسلِم لتتزوجه بل أسلمت قبل ذلك، فقد ولج الإسلام قلبها بلا شعور، وذلك وهي في بلدها أمريكا، حتى إنها نقشت وشم كلمة «الحق» عربياً على جسدها موقنة أنها ستسلم يوماً ما!.
يمتلئ الكتاب بالمواقف الطريفة أو الغريبة مثل لقائها مع مفتي مصر وهي أول غربية أُعطِيَت هذه الفرصة، وتعلُّمها للطبخ ومسؤوليات المنزل بعد تحوّلها إلى «ست البيت» (الأمريكيات بالعادة يأبين التفرد بأعمال البيت وينافسون الرجال في كل شيء)، أو الفرارجي الذي باعها ديكاً رومياً وأخذته هي ببراءة ظانة أنها دجاجة ضخمة.
وأثار تشويقي خاصة مواقف شابة أمريكية في حيّ عربي فقير، وهذا ما جذبني جداً وجلست أتأمله، فهذه الفتاة كانت تستطيع سكن المباني الغالية والأحياء الراقية مثل بقية الغربيين هناك، لكنها أصرت على سكن تلك الأحياء المليئة بالنفايات والجراثيم والأمراض والتلوث الخانق والغبار الكاتم، حتى إنها لم تذق اللحم حَذَرَ البكتيريا، وأصابتها علل مثل التهاب الكلية وانتفاخ الغدد اللمفاوية وآلام بطن كثيرة. حُرِمَت الكُتب التي تعشقها، محرومة الحرية لأنها غربية تعيش مع أخرى (زميلة عمل) وكان هذا قبل زواجها، وغربيتان وحيدتان في حي عربي فقير لهي معيشة قاسية، فلا تستطيع الذهاب لمقهى مثلاً وسط تحديق الناس، وتعرضتا لمضايقات كثيرة وتحرشات، ونظرات الريبة والخوف، ومشكلات أخرى كثيرة.
كانت تقدر أن تستخدم جوازها الأمريكي لتحصل على كل ما تشاء، تقدر أن تذهب لتقطن التجمعات السكنية المرفهة وترتاح، لكن أبت.. لماذا؟ تعاطفاً مع الشعب الذي استضافها؛ رأت عوز الحي وأصرت العيش هناك وتشعر بما يشعرون به وتُحرَم مما حُرِموا منه. صَبَرت على ذلك ليس أياماً قليلة بل شهوراً. أثار هذا عجبي، ورأيتُ نفساً نبيلةً سامية، فلا أظن الكثير سيتحمّل ذلك، حتى الطيبون الصالحون، ولا ألومهم، فديننا لم يأمرنا بتَلمُّس المشقات بل أن نستمتع بحياتنا ونِعم الله علينا وسؤاله العافية من كل آفة، لكن رغم هذا أظل أتعجب من هذه الفتاة وهِمّتها النبيلة.